للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وفي رواية البخاريّ: "أوتيته" بذكر العائد (وَحْيًا) منصوب على أنه خبر "كان"، وجملة قوله: (أَوْحَى اللهُ إِليَّ) في محلّ نصب صفة لـ "وحيًا"، والعائد محذوف، وقد ذُكر في رواية البخاري، ولفظه: "أوحاه الله إليّ".

قال الحافظ ابن كثير - رَحِمَهُ اللهُ - في معناه: أي الذي اختَصَصتُ به من بينهم هذا القرآن المعجز للبشر، أن يُعارِضوه، بخلاف غيره من الكتب الإلهية، فإنها ليست معجزةً عند كثير من العلماء والله أعلم. انتهى (١).

وقال النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ -: اختُلف في معنى هذا الكلام على أقوال:

[أحدها]: أن كل نبيّ أعطي من المعجزات ما كان مثله من كان قبله من الأنبياء، فآمن به البشر، وأما معجزتي العظيمة الظاهرة، فهي القرآن الذي لم يُعطَ أحد مثله، فلهذا قال: "أنا أكثرهم تابعًا".

[والثاني]: معناه: أن الذي أوتيته لا يَتطرق إليه تخييل بسحر وشُبْهة، بخلاف معجزة غيري، فإنه قد يُخَيِّل الساحر بشيء، مما يقارب صورتها، كما خَيَّلت السحرة في صورة عصا موسى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، والخيال قد يَرُوج على بعض العوام، والفرق بين المعجزة والسحر والتخييل يَحتاج إلى فكر ونظر، وقد يُخطئ الناظر، فيعتقدهما سواء.

[والثالث]: معناه: أن معجزات الأنبياء انقرضت بانقراض أعصارهم، ولم يشاهدها إلا من حضرها بحضرتهم، ومعجزة نبيّنا - صلى الله عليه وسلم - القرآن المستمرّ إلى يوم القيامة، مع خرق العادة في أسلوبه وبلاغته وإخباره بالمغيبات، وعجز الجنِّ والإنس عن أن يأتوا بسورة من مثله، مجتمعين أو متفرقين، في جميع الأعصار، مع اعتنائهم بمعارضته، فلم يَقدِروا، وهيم أفصح القرون مع غير ذلك من وجوه إعجازه المعروفة. انتهى كلام النوويّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - (٢).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذه الأقوال في الحقيقة لا اختلاف بينها، فأوضحها هو الأول، والقولان بعده بيان وتفصيل لوجه عظمة القرآن، وعدم إعطاء الأولين مثله، فتأمله بإنصاف، والله تعالى أعلم.


(١) "تفسير ابن كثير" ١/ ٣١٦.
(٢) "شرح النوويّ" ٢/ ١٨٨.