للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(قَالَ) أنس - رضي الله عنه - (قَالُوا) في مرسل طاوس عند ابن سعد أن قريشًا هم الذين قالوا ذلك للنبيّ - صلى الله عليه وسلم -. قاله في "الفتح". وفيه دليلٌ على أنه - صلى الله عليه وسلم - ما اتخذ خاتمًا إلا عند الحاجة إليه، فالأصل تَرْكه. وقال الخطّابيّ: وذلك لأن الخاتم ما كان من عادة العرب لُبسه. انتهى. (إِنَّهُمْ)؛ أي: الروم، (لَا يَقْرَءُونَ كتَابًا) مفعول يقرءون، وهو مفعول به؛ لأن الكتاب هنا اسمٌ غير مصدر، (إِلَّا مَخْتُومًا) منصوب على الاستثناء لأنه من كلام تامّ غير موجب، وهو مِن خَتَمْتُ الشيءَ ختمًا، فهو مختوم، ومُخَتَّم شُدِّد للمبالغة، وختم الله له بالخير، وختمت القرآن: بلغت آخره، واختتمت الشيء: نقيض افتتحت، قاله في "العمدة" (١).

وقال الفيّوميّ رحمه الله: خَتَصْتُ الكتابَ، ونحوه خَتْمًا، وختمت عليه، من باب ضرب: طبعتُ، ومنه الخاتم حَلْقة ذات فصّ من غيرها، فإن يكن لها فصّ، فهي فَتَخَةٌ، بفاء، وتاء مثنّاة من فوقُ، وخاء معجمة، وزانُ قَصَبَة. وقال الأزهريّ: الخاتِم بالكسر الفاعل، وبالفتح ما يوضع على الطينة، والخِتام ككتاب: الطين الذي يُختم به على الكتاب. انتهى (٢) بزيادة يسيرة.

وقال في "العمدة": قوله: "لا يقرأون الكتاب إلا مختومًا"، وكانوا لا يقرأون إلا مختومًا خوفًا من كشف أسرارهم، وإشعارًا بأن الأحوال المعروضة عليهم ينبغي أن يكون مما لا يطّلع عليها غيرهم، وعن أنس: إنّ ختم كتاب السلطان، والقضاة سُنَّة متبعة، وقد قال بعضهم: هو سُنَّةٌ؛ لفعل النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وقد قيل في قوله تعالى: {إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ} [النمل: ٢٩]: إنها إنما قالت ذلك لأنه كان مختومًا، وفي ذلك أيضًا مخالقة الناس بأخلاقهم، واستئلاف العدوّ بما لا يضرّ، وقد جاء في بعض طرقه عن أنس - رضي الله عنه -: "لمّا أراد النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أن يكتب إلى الروم"، وفي بعضها: "إلى الرهط، أو الناس من الأعاجم"، وفي مسلم: "أراد أن يكتب إلى كسرى، وقيصر، والنجاشيّ، فقيل له: إنهم لا يقبلون كتابًا إلا بخاتم … "، وذكر الحديث. انتهى (٣).

(قَالَ) أنس (فَاتَّخَذَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ)؛ أي: أمر بصياغة


(١) "عمدة القاري" ٢/ ٢٩.
(٢) "المصباح المنير" ١/ ١٦٣.
(٣) "عمدة القاري" ٢/ ٣٠.