بمعروف، ولو كان معروفًا، فلا يبلغ في الصحّة إلى هذا الحديث، وأما قولهم: إن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لم يَخضِب، فليس بصحيح، بل قد صحّ عنه أنه خضب بالحنّاء، وبالصفرة. انتهى (١).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: اختلفت الروايات في كونه - صلى الله عليه وسلم - خضب، فثبت عن أنس - رضي الله عنه - أنه سُئل: أخضب النبيّ - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال: لم يبلغ الشيب إلا قليلًا، وفي رواية:"إنه لم يبلغ ما يَخضِب، لو شئت أن أعُدّ شمطاته في لحيته"؛ أي: لعددتها. وثبت في حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - أنه - صلى الله عليه وسلم - خضب بالصفرة، وفي حديث أم سلمة - رضي الله عنها - أنها أخرجت شعرًا من شعر النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، مخضوبًا.
والجمع بين هذه الروايات، أن يقال: إن من جزم بأنه - صلى الله عليه وسلم - خضب، كابن عمر - رضي الله عنهما -، حَكَى ما شاهده، وكان ذلك في بعض الأحيان، ومن نفى؛ كأنس - رضي الله عنه -، فهو محمول على الأكثر الأغلب من حاله - صلى الله عليه وسلم -. وقد أخرج مسلم، والترمذيّ، والنسائيّ من حديث جابر بن سمرة - رضي الله عنهما -، قال: ما كان في رأس النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، ولحيته من الشيب إلا شعرات، كان إذا دهن واراهُنّ الدهن. قال في "الفتح": فيَحْتَمِل أن يكون الذين أثبتوا الخضاب شاهدوا الشعر الأبيض، ثم لَمّا واراه الدهن ظنّوا أنه خضبه. انتهى.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا الاحتمال بعيد؛ يُبعده ما رواه النسائيّ عن ابن عمر - رضي الله عنهما -: "لقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصفّر بها - يعني: الخلوق - لحيته … " الحديث. فالصحيح من الجمع الاحتمال الأول. والله تعالى أعلم.
وقوله:"وَاجْتَنِبُوا السَّوَادَ": قال القرطبيّ - رضي الله عنه -: أمرٌ باجتناب السواد، وكرهه جماعة، منهم عليّ بن أبي طالب - رضي الله عنه -، ومالك، قال: وهو الظاهر من هذا الحديث، وقد عُلّل ذلك بأنه من باب التدليس على النساء، وبأنه سواد في الوجه، فيُكره لأنه تشبّه بسيما أهل النار. ثم ذكر حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - المذكور قبل هذا، ثم قال: غير أنه لم يُسمع أن أحدًا من العلماء قال بتحريم ذلك.