للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والأظهر أنه عامّ في كل كلب، وكلّ صورة، وأنهم يمتنعون من الجميع؛ لإطلاق الأحاديث، ولأن الجرو الذي كان في بيت النبيّ - صلى الله عليه وسلم - تحت السرير، كان له فيه عذر ظاهرٌ، فإنه لم يَعلم به، ومع هذا امتنع جبريل عليه السَّلام من دخول البيت، وعَلَّل بالجرو، فلو كان العذر في وجود الصورة والكلب لا يمنعهم لم يمتنع جبريل، والله أعلم. انتهى (١).

تقدّم أن الأرجح عندي ما قاله الخطّابيّ، من استثناء ما أُذن في اقتنائه من الكلاب بدليل أنه استثناها الشارع من نقص قيراط أو قيراطين، فقد أخرج الشيخان عن ابن عمر - رضي الله عنهما - مرفوعًا: "من اقتنى كلبًا نَقَص من أجره كلَّ يوم قيراطان، إلا ضاريًا (٢)، أو صاحب ماشية"، وأخرجا أيضًا عن سفيان بن أبي زهير الشنائيّ - رضي الله عنه - مرفوعًا: "من اقتنى كلبًا لا يُغني زرعًا، ولا ضرعًا، نقص من عمله كلَّ يوم قيراط"، فقد استثنى من نَقْص الأجر كلب الماشية والزرع، فيستفاد منه استثناؤه أيضًا من امتناع دخول الملائكة، والله تعالى أعلم.

(فَأَصْبَحَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَئِذٍ، فَأَمَرَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ) قال القرطبيّ: كذا رواه جميع الرواة: "فأصبح"، "فأمر"، مرتبًا بفاء التَّسبُّب، فيدل ذلك على أن أَمْره بقتل الكلاب في ذلك اليوم كان لأجل امتناع جبريل عليه السَّلام من دخول بيته، ويَحْتَمِل أن يكون ذلك لمعنى آخر غير ما ذكرنا؛ وهو أن ذلك إنما كان لينقطعوا عما كانوا أَلِفوه من الأُنس بالكلاب، والاعتناء بها، واتخاذها في البيوت، والمبالغة في إكرامها، وإذا كان كذلك كثرت، وكَثُر ضررها بالناس، من الترويع، والجرح، وكَثُر تنجيسها للديار، والأَزِقّة، فامتنع جبريل عليه السَّلام من الدخول لأجل ذلك، ثم أخبر به النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وأمر بقتل الكلاب، فانزجر الناس عن اتخاذها، وعما كانوا اعتادوه منها، والله تعالى أعلم.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: الاحتمال الثاني بعيد، فالأظهر أن الأمر إنما هو بسبب امتناع جبريل عليه السَّلام من الدخول؛ كما هو ظاهر سياق الحديث. والله تعالى أعلم.

قال: وفيه من الفقه أن الكلاب يجوز قتلها؛ لأنها من السِّباع، لكن لمّا


(١) "شرح النوويّ" ١٤/ ٨٤.
(٢) أي: إلا كلبًا معوَّدًا بالصيد.