٣ - (ومنها): أنه ينبغي للإنسان إذا تكدّر عليه وقته، أو تنكّدت وظيفته، ونحو ذلك أن يفكّر في سببه، كما فعل النبيّ - صلى الله عليه وسلم - هنا، حتّى استخرج الكلب، وهو من نحو قول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ (٢٠١)} [الأعراف: ٢٠١].
٤ - (ومنها): بيان امتناع الملائكة من دخول البيت الذي فيه كلب، أو صورة.
[تنبيه]: قد استُشكل كون الملائكة لا تدخل المكان الذي فيه التصاوير، مع قوله سبحانه وتعالى عند ذِكْر سليمان عليه السَّلام:{يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ}[سبأ: ١٣]، وقد قال مجاهد: كانت صورًا من نحاس، أخرجه الطبريّ، وقال قتادة: كانت من خشب، ومن زجاج، أخرجه عبد الرزاق.
والجواب أن ذلك كان جائزًا في تلك الشريعة، وكانوا يعملون أشكال الأنبياء والصالحين منهم على هيئتهم في العبادة؛ ليتعبَّدوا كعبادتهم، وقد قال أبو العالية: لم يكن ذلك في شريعتهم حرامًا، ثم جاء شرَعْنا بالنهي عنه.
ويَحْتَمِل أن يقال: إن التماثيل كانت على صورة النقوش لغير ذوات الأرواح، وإذا كان اللفظ محتملًا لم يتعيّن الحمل على المعنى المُشْكِل.
وقد ثبت في "الصحيحين" حديث عائشة في قصة الكنيسة التي كانت بأرض الحبشة، وما فيها من التصاوير، وأنه - صلى الله عليه وسلم - قال:"كانوا إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدًا، وصوَّروا فيه تلك الصورة، أولئك شرار الخلق عند الله"، فإن ذلك يُشعر بأنه لو كان ذلك جائزًا في ذلك الشرع ما أَطلق عليه - صلى الله عليه وسلم - أن الذي فعله شر الخلق، فدلّ على أن فِعل صور الحيوان فعل مُحْدَث أحدثه عئاد الصُّوَر، والله أعلم، قاله في "الفتح"(١).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي أن الاحتمال الثاني هو الحقّ؛ لحديث عائشة - رضي الله عنها - المذكور، فتُحمَلُ التماثيل التي في قصّة سليمان عليه السَّلام على غير صُوَر ذوات الأرواح، فتأمّل. والله تعالى أعلم.
[تنبيه آخر]: أغرب ابن حبان، فادَّعَى أن هذا الحكم خاصّ بالنبيّ - صلى الله عليه وسلم -،