قال الحافظ أبو عمر بن عبد البرّ رحمهُ اللهُ: وللعلماء في هذا الباب أقاويل، ومذاهب:
[منها]: أنه لا يجوز أن يمسك الثوب الذي فيه تصاوير وتماثيل، سواء كان منصوبًا، أو مبسوطًا، ولا يجوز دخول البيت الذي فيه التصاوير، والتماثيل في حيطانه، وذلك مكروه كله؛ لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تدخل الملائكة بيتًا فيه تصاوير"، فإن فعل ذلك فاعلٌ بعد عِلْمه بالنهي عن ذلك، كان عاصيًا عندهم، ولم يَحْرُم عليه بذلك مُلك الثوب، ولا البيت، ولكنه ينبغي له أن يتنزه عن ذلك كله، ويكرهه وينابذه؛ لِمَا ورد من النهي فيه.
وحجةُ من ذهب هذا المذهب في الثياب، وفي حيطان البيوت وغيرها، حديثُ ابن شهاب وغيره، عن القاسم بن محمد، عن عائشة - رضي الله عنها -، قالت: دخل عليّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأنا مستترة بقِرام فيه صور، فتلوّن وجهه، وتناول الستر فهتكه، ثم قال:"إن من أشدّ الناس عذابًا يوم القيامة الذين يشبِّهون بخلق الله"، ورَوَى نافع هذا الخبر، عن القاسم، بهذا المعنى، وزاد: أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، قال:"إن البيت الذي فيه الصور، لا تدخله الملائكة"، قال: وزيادة من زاد فيه من الثقات الحفاظ، إباحة ما يُتوسد من ذلك، ويُرتفق به، ويُمتهن يجب قبولها، وإن كان ظاهر حديث مالك في ذلك كراهية عموم الصور، على كل حال، وإلى ذلك ذهب ابن شهاب، وهو راوية الحديث.
قال: ذكر ابن أبي شيبة، عن عبد الأعلى، عن معمر، عن الزهري، أنه كان يكره التصاوير، ما نُصب منها، وما بُسط، وكان مالك لا يرى بذلك بأسًا في البسط، والوسائد، والثياب على حديث سهل بن حنيف - رضي الله عنه -: "إلا ما كان رقمًا في ثوب".
ثم أخرج بسنده، عن حماد بن سلمة، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة - رضي الله عنها -، قالت: كان على بأبي دُرْنُوك (١)، فيه الخيل، ذوات الأجنحة، فقال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "ألقوا هذا".
(١) "الدُّرْنوك" سترٌ له خملٌ، قاله في "النهاية" ٢/ ١١٥، وقال في "القاموس": الدُّرْنوك بالضمّ: ضرب من الثياب، أو الْبُسُط. انتهى.