وقد قَرَّر بعض المتكلمين الإعجازَ بطريقٍ يَشْمَلُ قولَ أهل السنة، وقول المعتزلة في الصَّرْفَة، فقال: إن كان هذا القرآن معجزًا في نفسه، لا يستطيع البشر الإتيان بمثله، ولا في قُوَاهم معارَضتُهُ، فقد حَصَلَ المُدَّعَى، وهو المطلوب، وإن كان في إمكانهم معارضته بمثله، ولم يَفعلوا ذلك مع شِدَّة عداوتهم له، كان ذلك دليلًا على أنه من عند الله؛ لصرفه إياهم عن معارضته، مع قدرتهم على ذلك، وهذه الطريقة، وإن لم تكن مَرْضيَّةً؛ لأن القرآن في نفسه معجزٌ، لا يستطيع البشر معارضته، كما قررنا، إلا أنها تَصْلَح على سبيل التنزل، والمجادلة، والمنافحة عن الحقّ، وبهذه الطريقة أجاب الرازيّ في تفسيره عن سؤاله في السور القصار، كالعصر، وإنا أعطيناك الكوثر. انتهى كلام ابن كثير - رَحِمَهُ اللهُ -، وهو بحثٌ نفيسٌ جدًّا، والله تعالى أعلم بالصواب.
[تنبيه]: معنى القول بالصرْفَة في إعجاز القرآن أن الله - عَزَّ وَجَلَّ - قد سَلَبَ العرب القدرة على معارضة القرآن، ومنعهم منها، وعطّلهم عنها، وزهّدهم فيها، على حين أن القرآن الكريم لم يتجاوز في بلاغته مستوى طاقتهم البشريّة، وأنه كان في مقدورهم معارضته، لولا أن منعهم الله منها.
وهذا القول منسوب إلى المعتزلة عامّةً، ونُقل فيه كلام عدد منهم من متقدّمي مشايخهم، منهم إبراهيم النظّام، وهشام القُوطيّ، وعبّاد بن سليمان، وبه قال المرتضى من الشيعة، وأبو إسحاق الإسفرايينيّ من أهل السنّة، وهو أحد قولي الأشعريّ في هذه المسألة.
والقول بالصرفة في إعجاز القرآن قولٌ فاسدٌ باطلٌ من وجوه كثيرة، وهو مردودٌ عند عامّة أهل السنّة، وقد بالغ المصنّفون في إعجاز القرآن في ردّه، وبيان بطلانه وفساده.
قال الخطّابيّ: إن دلالة الآية تشهد بخلافه، وهي قوله تعالى: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (٨٨)} [الإسراء: ٨٨]، فأشار بذلك إلى أن طريقه التكلّف والاجتهاد، وسبيله التأهّب والاحتشاد، والمعنى في الصرفة التي وصفوها لا يلائم هذه الصفة، فدلّ على أن المراد غيرها.
وقال الزركشيّ في "البرهان": وهو قولٌ فاسدٌ، بدليل قوله تعالى: {قُلْ