للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال النوويّ: قول مالك: "أُرى ذلك من العين" هو بضم همزة "أُرَى"؛ أي: أظن أن النهي مختصّ بمن فعل ذلك بسبب رفع ضرر العين، وأما من فعله لغير ذلك، من زينة، أو غيرها فلا بأس، قال القاضي عياض: الظاهر من مذهب مالك أن النهي مختصّ بالوتر دون غيره من القلائد. انتهى (١).

وقال القرطبيّ: قول مالك: "أُرى ذلك من العين"؛ يعني: أنهم كانوا يتعوَّذون بتعليق أوتار قسيِّهم في أعناق إبلهم من العين، فأمر النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بقطعها؛ لأَجل توقّع ذلك، وظاهر قول مالك خصوصية ذلك بالوتر، ولذلك أجازه ابن القاسم بغير الوتر، وقال بعض أصحابنا فيمن قلَّد بعيره شيئًا ملونًا فيه خَرَز، إن كان للجَمَال؛ فلا بأس به. انتهى (٢).

وقال: قال أبو عمر بن عبد البرّ: قد فسَّر مالك هذا الحديث أنه من أجل العين، وهو عند جماعة من أهل العلم كما قال مالك، لا يجوز عندهم أن يُعَلَّق على الصحيح من البهائم، أو بني آدم شيء من العلائق خوف نزول العين؛ لهذا الحديث، ومَحْمَل ذلك عندهم فيما عُلِّق قبل نزول البلاء؛ خشيةَ نزوله، فهذا هو المكروه من التمائم، وكل ما يُعَلَّق بعد نزول البلاء من أسماء الله، وكاتبه رجاءَ الفرج والبرء من الله فهو كالرُّقَى المباح الذي وردت السُّنَّة بإباحته من العين، وغيرها، وقد قال مالك - رحمه الله -: لا بأس بتعليق الكتب التي فيها أسماء الله على أعناق المرضى على وجه التبرك بها، إذا لم يُرِدْ معلِّقها بتعليقها مدافعةَ العين، وهذا معناه قبل أن ينزل به شيء من العين، ولو نزل به شيء من العين جاز الرُّقى عند مالك، وتعليق الكتب، ولو عُلِم العائن لكان الوجه في ذلك اغتسال العائن للمَعِين.

قال: وأما تخصيص الأوتار بالقطع، وأن لا تقلَّد الدواب شيئًا من ذلك قبل البلاء، ولا بعده، فقيل: إن ذلك لئلا تَختنق بالوتر في خشبة، أو شجرة، فتقتلها، فإذا كان خيطًا انقطع سريعًا، وقد قيل في معنى الأوتار غير هذا. انتهى (٣).


(١) "شرح النوويّ" ١٤/ ٩٥.
(٢) "المفهم" ٥/ ٤٣٦.
(٣) "التمهيد لابن عبد البرّ" ١٧/ ١٦٠ - ١٦١.