للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

آدم على صورته أي: على صورة المضروب، ومعنى ذلك - والله أعلم -: أن المضروب من ولد آدم، ووجهه كوجهه في أصل الخلقة، ووجه آدم - صلى الله عليه وسلم - مكرمٌ، ومشرف؛ إذ قد شرفه الله تعالى بأن خلقه بيده، ونفخ فيه من روحه، وأقبل عليه بكلامه، وأسجد له ملائكته، وإذا كان هذا الوجه يشبه هذا الوجه، فينبغي أن يُحترم كاحترامه.

ولمّا سمع ذلك الصحابي النهي عن الوسم، وفَهِم في لك المعنى قال: والله لا أسِمُه، مبالغةً في الامتثال والاحترام. انتهى كلام القرطبيّ - رحمه الله - (١)، وهو بحث نفيسٌ جدًّا، والله تعالى أعلم.

وقال النوويّ - رحمه الله -: وأما الضرب في الوجه فمنهيٌّ عنه في كل الحيوان المحترم، من الآدميّ، والحمير، والخيل، والإبل، والبغال، والغنم، وغيرها، لكنه في الآدميّ أشدّ؛ لأنه مَجْمَع المحاسن، مع أنه لطيف؛ لأنه يظهر فيه أثر الضرب، وربما شَانَهُ، وربما آذى بعض الحواسّ. انتهى (٢).

(وَعَنِ الْوَسْمِ فِي الْوَجْهِ) قال القرطبيّ - رحمه الله -: "الوسم": الكيّ بالنار، وأصله: العلامة، يقال: وَسَمَ الشيءَ يَسِمه: إذا علّمه بعلامة يُعرَف بها، ومنه: السيماء: العلامة، ومنه قوله تعالى: {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} الآية [الفتح: ٢٩].

قال: ومعروف الرواية: "الوسم" بالسين المهملة، وقد رواه بعضهم بالشين المثلثة، وهو وَهَمٌ؛ لأنَّ الوشم إنما هو غرز الشفاه، والأذرُع بالإبرة، وتسويدها بالنَّؤُور (٣)، وهو الكحل، أو ما شابهه، والوسم: هو الكيٌّ، فكيف يجعل أحدهما مكان الآخر؟!. انتهى (٤).

وقال النوويّ - رحمه الله -: أما الوسم فبالسين المهملة، هذا هو الصحيح المعروف في الروايات، وكُتُب الحديث، قال القاضي: ضبطناه بالمهملة،


(١) "المفهم" ٥/ ٤٣٧.
(٢) "شرح النوويّ" ١٤/ ٩٧.
(٣) قال في "القاموس": النَّؤُور كصَبُور: النَّيْلَجُ، ودخان الشَحْم، وحصاة كالإثمد تُدَقّ، فَتسَفُّها اللِّثَةُ. انتهى.
(٤) "المفهم" ٥/ ٤٣٧ - ٤٣٨.