وقال الطيبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: "من" في قوله: "من هذه الأمة" إما للبيان، أو للتبعيض، وعلى التقديرين هو مرفوع المحلّ.
فعلى أن تكون للتبعيض معناه: لا يسمع بي أحدٌ، وهو بعض هذه الأمة، يهوديّ، والإشارة بـ "هذه" إلى ما في الذهن، و"الأمة" بيان له، و"الأمة" حينئذ أمة الدعوة.
وعلى أن تكون للبيان، ولفظة "هذه" تكون إشارةً إلى أمة اليهود والنصارى خاصّةً، جرّد من الأمة اليهود والنصارى، وهو كقوله تعالى:{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ}[آل عمران: ١٠٤]، فسّره صاحب "الكشّاف" بالوجهين.
وقال الطيبيّ أيضًا: قال الشارحون: "الأمة" جمعٌ لهم جامعٌ من دين، أو زمان، أو مكان، أو غير ذلك، فإنه مجملٌ يُطلق تارةً، ويراد به كلُّ من كان هو مبعوثًا إليهم، آمن به، أو لم يؤمن، ويُسَمَّون أمة الدعوة، ويُطلق تارةً أخرى، ويراد به المؤمنون به، والمذعنون له، وهم أمة الإجابة، والمعنى الأول هو المراد هنا بدليل قوله:"ولم يؤمن بي"، واللام فيها للاستغراق، أو الجنس، أو العهد، والمراد بها أهل الكتاب، ويَعضد الأخير توصيف الأحد باليهود والنصارى، وفي تخصيص ذكر اليهودي والنصرانيّ، وهما من أهل الكتاب إشعارٌ بأن حال المعطّلة، وعَبَدة الأوثان، وأضرابهم آكد، وهم أولى بدخول النار.
وتلخيص المعنى أن كلّ واحد من هذه الأمة إذا يسمع بي، وتبيّن له صدقي، ثم لا يؤمن برسالتي، ولم يُصدّق بمقالتي، كان من أصحاب النار، سواء الموجود، ومن سيوجد. انتهى كلام الطيبيّ ببعض تصرّف (١).
(يَهُودِيٌّ) عطف بيان، أو بدل بعض من كلّ من "أحدٌ"، قال الفيّوميّ - رَحِمَهُ اللهُ -: هاد الرجل هَوْدًا: إذا رجع، فهو هائدٌ، والجمع هُودٌ، مثلُ بازلٍ وبُزُلٌ، وسُمّي بالجمع، وبالمضارع، وفي التنزيل:{وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا}[البقرة: ١٣٥]، ويقال: هو يَهُودُ غير منصرفٍ؛ للعلميّة،