يمرّ من النساء وغيرهنّ، وبكفّ الأذى إلى السلامة من الاحتقار والغيبة ونحوها، وبردّ السلام إلى إكرام المارّ، وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى استعمال جميع ما يُشْرَع، وترك جميع ما لا يشرع، وفيه حجة لمن يقول بأن سدّ الذرائع بطريق الأَولى لا على الحتم؛ لأنه نَهَى أوّلًا عن الجلوس حسمًا للمادة، فلما قالوا: ما لنا منها بُدّ ذكر لهم المقاصد الأصلية للمنع، فعُرف أن النهي الأول للإرشاد إلى الأصلح، ويؤخذ منه أن دفع المفسدة أَولى من جلب المصلحة؛ لِنَدْبه أولًا إلى ترك الجلوس مع ما فيه من الأجر لمن عَمِل بحقّ الطريق، وذلك أن الاحتياط لطلب السلامة آكد من الطمع في الزيادة.
وقال في "الفتح" أيضًا ما حاصله: قد اشتمل هذا الحديث على معنى علة النهي عن الجلوس في الطرق، من التعرض للفتن بخطور النساء الشوابّ، وخوف ما يَلحق من النظر إليهنّ من ذلك؛ إذ لم يُمنع النساء من المرور في الشوارع لحوائجهنّ، ومن التعرض لحقوق الله، وللمسلمين مما لا يلزم الإنسان إذا كان في بيته، وحيث ينفرد (١)، أو يشتغل بما يلزمه، ومن رؤية المناكير، وتعطيل المعارف، فيجب على المسلم الأمر والنهي عند ذلك، فإنْ تَرَك ذلك فقد تعرّض للمعصية، وكذا يتعرض لمن يمرّ عليه، ويسلّم عليه، فإنه ربما كثُر ذلك، فيعجز عن الردّ على كل مارّ، وردّه فرض، فيأثم، والمرء مأمور بأن لا يتعرض للفتن، وإلزام نفسه ما لعله لا يَقْوَى عليه، فندبهم الشارع إلى ترك الجلوس حسمًا للمادّة، فلمّا ذكروا له ضرورتهم إلى ذلك؛ لِمَا فيه من المصالح، من تَعَاهُد بعضهم بعضًا، ومذاكرتهم في أمور الدين، ومصالح الدنيا، وترويح النفوس بالمحادثة في المباح، دلّهم على ما يُزيل المفسدة، من الأمور المذكورة.
قال: ولكلّ من الَاداب المذكورة شواهد في أحاديث أخرى:
فأما إفشاء السلام فسيأتي في باب مفرد.
وأما إحسان الكلام، فقال عياض: فيه ندب إلى حسن معاملة المسلمين
(١) وقع في "الفتح": "وحيث لا ينفرد" بزيادة "لا"، والظاهر أنه غلط، فليُتأمّل، والله تعالى أعلم.