قال الجامع عفا الله عنه:"برّةُ"، و"فَجَارِ" علمان من أعلام الأجناس، فبرّة بمعنى البرّ، وفَجَار بمعنى الفجور، وعَلَم الجنس كعلم الشخص في اللفظ، وكالنكرة في المعنى، وقد ذَكر ابن مالك هذا في "الخلاصة" بقوله:
(وَكَانَ) - صلى الله عليه وسلم - (يَكْرَهُ) بفتح أوله، وثالثه، من باب تَعِبَ كُرْهًا بضمّ الكاف، وفتحها: ضدّ أحبّ، (أَنْ يُقَالَ: خَرَجَ مِنْ عِنْدِ بَرَّةَ) قال القرطبيّ رحمه الله: وأما تغييره - صلى الله عليه وسلم - بَرَّة فلوجهين:
أحدهما: أنه كان يَكره أن يقال: خرج من عند برَّة؛ إذ كانت المسمَّاة بهذا الاسم زوجته، وهي التي سمَّاها جويرية.
والثاني: لِمَا فيه من تزكية الإنسان نفسه، فهو مخالف لقوله تعالى:{فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى}[النجم: ٣٢]، ويجري هذا المجرى في المنع، ما قد كثر في هذه الدِّيار من نعتهم أنفسهم بالنعوت التي تقتضي التزكية؛ كزكيّ الدِّين، ومحيي الدِّين، وما أشبه ذلك من الأسماء الجارية في هذه الأزمان التي يُقْصَد بها المدح، والتزكية، لكن لمّا كثُرت قبائح المسمَّين بهذه الأسماء في هذا الزمان ظهر تخلف هذه النعوت عن أصلها، فصارت لا تفيد شيئًا من أصل موضوعاتها، بل ربما يسبق منها في بعض المواضع، أو في بعض الأشخاص نقيض موضوعها، فيصير الحال فيها كالحال في تسمية العرب: المهلكة بالمفازة، والحقير بالجليل، تجمُّلًا بإطلاق الاسم مع القطع باستقباح المسمَّى.
ومن الأسماء ما غيَّره النبيّ - صلى الله عليه وسلم - مع حُسن معناه وصِدقه على مسمَّاه، لكن مَنَع منه الشرع حمايةً واحترامًا لأسماء الله تعالى وصِفاته عز وجل عن أن يتسمَّى أحد بها، ففي كتاب أبي داود عن هانئ بن يزيد: أنه لمّا وَفَد على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة مع قومه سمعهم يَكنُونه بأبي الْحَكَم، فدعاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال:"إن الله عز وجل هو الْحَكَم، وإليه الْحُكْم، فلمَ تكنَّى أبا الحكم؟ "، قال: إن قومي إذا اختلفوا في شيء أتوني، فحكمت بينهم، فرضي كلا الفريقين، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما أحسن هذا"، قال:"ما لك من الولد؟ "، قال: لي شُريح،