للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فيكون "أغيظ" هنا مما دلّت عليه القرينة؛ لأن المقام يدلّ على المقصود كونه مَغِيظًا عليه، لا غائظًا على غيره، فصحّ بناء اسم التفضيل من المبنيّ للمفعول؛ لِمَا ذُكر، فتنبّه، والله تعالى أعلم.

وقال القرطبيّ: قد وقع في هذه الرواية: "وأغيظه" معطوفًا على "أخبثه"، من الغيظ، فجاء مكررًا، فذهب بعض العلماء إلى أن ذلك وَهَمٌ، والصواب: أغنط - بالنون، والطاء المهملة؛ أي: أشدُّ، والغَنَط: شدة الكرب.

قال القرطبيّ: والصواب التمسك بالرِّواية، وتطريق الوهم إلى الأئمة الحفاظ وَهَمٌ لا ينبغي المبادرة إليه، ما وُجد للكلام وجه، ويمكن أن يُحْمَل على إفادة تكرار العقوبة على المسمى بهذا الاسم، وتعظيمها، كما قال تعالى في حق اليهود: {فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ} [البقرة: ٩٠]؛ أي: بما يوجب العقوبة بعد العقوبة، وكذلك فَعَل الله تعالى بهم، عاقبهم في الدنيا بأنواعٍ من العقوبات، ولَعذاب الآخرة أشقُّ.

وحاصل هذا الحديث: أن المسمى بهذا الاسم قد انتهى من الكِبْر إلى الغاية التي لا تنبغي لمخلوق، وأنه قد تعاطى ما هو خاصّ بالإله الحقّ؛ إذ لا يَصْدُق هذا الاسم بالحقيقة إلا على الله تعالى، فعوقب على ذلك من الإذلال، والإخساس، والاسترذال بما لم يعاقَب به أحدٌ من المخلوقين. انتهى (١).

وقال النوويّ رحمه الله: وأما قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أغيظ رجل على الله، وأغيظه عليه"، فهكذا وقع في جميع النُّسخ بتكرير "أغيظ"، قال القاضي: ليس تكريره وجهَ الكلام، قال: وفيه وَهَمٌ من بعض الرواة بتكريره، أو تغييره، قال: وقال بعض الشيوخ: لعل أحدهما أغنط - بالنون، والطاء المهملة - أي: أشدّه عليه، والغنط: شدة الكرب، والله أعلم. انتهى (٢).

والحديث متّفقٌ عليه، وقد مضى تمام شرحه، وبيان مسائله في الحديث الماضي، ولله الحمد والمنّة.

{إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}.


(١) "المفهم" ٥/ ٤٥٤ - ٤٥٥.
(٢) "شرح النوويّ" ١٤/ ١٢١.