للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

"إذا" الدالة على معنى الاستقبال، فأشعر ذلك بأن الأجرين لمؤمن أهل الكتاب، لا يقع في الاستقبال بخلاف العبد. انتهى، وهو غير مستقيم؛ لأنه مَشَى فيه مع ظاهر اللفظ، وليس مُتَّفَقًا عليه بين الرواة، بل هو عند البخاريّ وغيره مختلفٌ، فقد عَبَّرَ في ترجمة عيسى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بإذا في الثلاثة (١)، وعبّر في "النكاح" بقوله: "أَيُّما رجل" في المواضع الثلائة (٢)، وهي صريحة في التعميم، وأما الاختلاف بالتعريف والتنكير، فلا أثر له هنا؛ لأن المعرَّف بلام الجنس مؤدّاه مؤدى النكرة. انتهى (٣).

قال الجامع عفا الله عنه: هذا الذي حققه الحافظ - رَحِمَهُ اللهُ - تحقيقٌ نفيسٌ، وللعينيّ تعقّب عليه على عادته المستمرّة، تركته لكونه تعسّفًا ظاهرًا من تأمله بالإنصاف، والله تعالى أعلم.

(آمَنَ بِنَبِيِّه، وَأَدْرَكَ النَّبِيَّ) محمدًا (- صلى الله عليه وسلم -)، وقوله: (فَآمَنَ بِه، وَاتَّبَعَهُ، وَصَدَّقَهُ) يحتمل أن تكون ثلاثتها مترادفات في المعنى المراد؛ للتأكيد، ويحتمل أن يكون من الإيمان به: التصديق برسالته، ومن اتباعه: لزوم العمل بشريعته، ومن تصديقه: تصديقه في كلّ ما جاء به من الأحكام.

وقوله: (فَلَهُ أَجْرَانِ) كرّره؛ لطول الكلام، وللاهتمام به، على حدّ قول الحماسيّ [من الطويل]:

وَإِنَّ امْرَأً دَامَتْ مَوَاثِيقُ عَهْدِهِ … عَلَى مِثْلِ هَذَا إِنَّهُ لَكَرِيمُ

(وَعَبْدٌ مَمْلُوكٌ)، ومثل العبد الأمة، كما سبق في الرجل والمرأة، وإنما


(١) ولفظه في "كتاب أحاديث الأنبياء" (٣٤٤٦): قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أدّب الرجل أمته، فأحسن تأديبها، وعلّمها، فأحسن تعليمها، ثم أعتقها، فتزوجها، كان له أجران، وإذا آمن بعيسى، ثم آمن بي، فله أجران، والعبد إذا اتقى ربه، وأطاع مواليه، فله أجران".
(٢) لفظه في "كتاب النكاح" (٥٠٨٣): قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أيّما رجل كانت عنده وليدة، فعلّمها فأحسن تعليمها، وأدّبها فأحسن تأديبها، ثم أعتقها وتزوجها، فله أجران، وأيما رجل من أهل الكتاب، آمن بنبيّه، وآمن بي، فله أجران، وأيّما مملوك، أَدَّى حق مواليه، وحق ربه، فله أجران … ".
(٣) "الفتح" ١/ ٢٣٠ - ٢٣١.