(الثالثة): قال أبو عبد الملك البُونيّ وغيره: إن الحديث لا يتناول اليهود البتة، وليس بمستقيم كما قررناه، وقال الداوديّ، ومن تبعه: إنه يحتمل أن يَتناول جميعَ الأمم فيما فعلوه من خير، كما في حديث حكيم بن حزام - رضي الله عنه -: "أسلمت على ما أسلفت من خير".
قال الحافظ: وهو مُتَعَقَّبٌ؛ لأن الحديث مُقَيَّد بأهل الكتاب، فلا يتناول غيرهم إلا بقياس الخير على الإيمان، وأيضًا فالنكتة في قوله:"آمن بنبيه" الإشعار بعلّية الأجر؛ أي: أن سبب الأجرين الإيمان بالنبيين، والكفار ليسوا كذلك.
ويمكن أن يقال: الفرق بين أهل الكتاب وغيرهم من الكفار، أن أهل الكتاب يَعرفون محمدًا - صلى الله عليه وسلم -، كما قال الله تعالى:{يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ}[الأعراف: ١٥٧]، فمن آمن به، واتبعه منهم، كان له فضلٌ على غيره، وكذا من كَذَبه منهم، كان وِزْره أشدّ من وزر غيره، وقد وَرَد مثلُ ذلك في حقّ نساء النبيّ - صلى الله عليه وسلم -؛ لكون الوحي كان ينزل في بيوتهن.
[فإن قيل]: فَلِمَ لم يُذكرن في هذا الحديث، فيكون العدد أربعة؟.
[أجيب]: بأن قضيتهن خاصّةٌ بهنّ، مقصورة عليهنّ، والثلاثة المذكورة في الحديث مستمرة إلى يوم القيامة، هكذا قال البلقينّي - رَحِمَهُ اللهُ -، قال الحافظ: وهذا مصير منه إلى أن قضية مؤمن أهل الكتاب مستمرّ، وقد ادَّعَى الكرماني اختصاصَ ذلك بمن آمن في عهد البعثة، وعَلَّل ذلك بأن نبيهم بعد البعثة، إنما هو محمدٌ - صلى الله عليه وسلم - باعتبار عموم بعثته. انتهى.
وقضيته أن ذلك أيضًا لا يتمّ من كان في عهد النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فإن خصَّه بمن لم تبلغه الدعوة، فلا فرق في ذلك بين عهده - صلى الله عليه وسلم - وبعده، فما قاله البلقينيّ أظهر، والمراد بنسبتهم إلى غير نبيّنا - صلى الله عليه وسلم - إنما هو باعتبار ما كانوا عليه قبل ذلك.
وأما ما قَوَّى به الكرماني دعواه بكون السياق مختلفًا، حيث قيل في مؤمن أهل الكتاب:"رجل" بالتنكير، وفي العبد بالتعريف، وحيث زيدت فيه