طَرَيَان الإيمان بمحمد - صلى الله عليه وسلم - سببًا لقبول تلك الأديان، وإن كانت منسوخةً. انتهى.
قال: ويمكن أن يقال في حقّ هؤلاء الذين كانوا بالمدينة: إنه لم تبلغهم دعوة عيسى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -؛ لأنها لم تنتشر في أكثر البلاد، فاستمرّوا على يهوديتهم مؤمنين بنبيهم موسى؛ إلى أن جاء الإسلام، فآمنوا بمحمد - صلى الله عليه وسلم -، فبهذا يرتفع الإشكال - إن شاء الله تعالى -.
[فوائد]:
(الأولى): وَقَع في شرح ابن التين وغيره أن الآية المذكورة نَزَلت في كعب الأحبار، وعبد الله بن سلام، وهو صوابٌ في عبد الله، خطأٌ في كعب؛ لأن كعبًا ليست له صحبةٌ، ولم يُسْلِم إلا في عهد عمرَ بنِ الخطاب - رضي الله عنه -، والذي في تفسير الطبري وغيره، عن قتادة، أنها نزلت في عبد الله بن سلام، وسلمان الفارسيّ، وهذا مستقيم؛ لأن عبد الله كان يهوديًّا، فأسلم، وسلمان كان نصرانيًّا، فأسلم، وهما صحابيان مشهوران.
(الثانية): قال القرطبيّ: الكتابيّ الذي يُضَاعَف أجره مرتين، هو الذي كان على الحق في شرعه عقدًا وفعلًا إلى أن آمن بنبينا - صلى الله عليه وسلم -، فيؤجر على اتّباع الحق الأول والثاني، وأما من اعتقد الإلهيّة لغير الله تعالى، كما تعتقده النصارى اليوم، أو من لم يكن على حقّ في ذلك الشرع الذي ينتمي إليه، فإذا أسلم جَبّ الإسلام ما كان عليه من الفساد والغلط، ولم يكن له حقّ يؤجر عليه إلا الإسلام خاصّةً. انتهى (١).
ويُشكِل عليه أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - كَتَب إلى هِرَقْل:"أَسْلِم تَسْلَم، ويؤتِك الله أجرك مرتين"، وهِرَقْلُ كان ممن دخل في النصرانية بعد التبديل، فالحقّ أنه لا يشترط كونه استقامته على الشرع الذي ينتمي إليه؛ لأن حديث الباب، وكذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - لهرقل:"يؤتك الله أجرك مرتين" لم يكن إلا بعد تمسّك أهل الكتابين بما بُدّل وغيّر منه، فتوجيه الطيبيّ فيما سبق بأن طريان الإيمان بالنبيّ - صلى الله عليه وسلم - كان سببًا لقبول تلك الأديان المحرّفة، وما ذلك على الله بعزيز، وهو نظير قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: