للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ} [النور: ٢٨]، وهذا لا بدَّ منه؛ لأنَّ دخول منزل الغير تصرُّف في ملكه، ولا يجوز بغير إذنه؛ لأنَّه يَطَّلِع منه على ما لا يجوز الاطلاع عليه من عورات البيوت، فكانت هذه المصلحة في أعلى رتبة المصالح الحاجيَّة.

ولمّا تقرَّر هذا شرعًا عند أبي موسى استأذن أبو موسى على عمر -رضي الله عنهما-، ولمّا كان عنده علم بكيفية الاستئذان وعدده عَمِل على ما كان عنده من ذلك، فلمّا لَمْ يُؤذن له رجع، وأما عمر -رضي الله عنه- فكان عنده العلم بالاستئذان، ولم يكن عنده علم من العدد، فلذلك أنكره على أبي موسى إنكار مُستبعِدٍ من نفسه أن يخفى عليه ذلك من النبيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مع ملازمته النبيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حضرًا، وسفرًا، ملازمةً لَمْ تكن لأبي موسي، ولا لغيره، وإنكارَ مَن سَدَّ باب الذريعة في التقوُّل على رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ولذلك أغلظ على أبي موسى بقوله: أقم عليه البينة، وإلا أوجعتك، ولأجعلنك عظة، فلما أتاه بالبينة قال: إنما أحببت أن أتثبت. انتهى (١).

(فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ، فَرَجَعْتُ) وعند البخاريّ في "البيوع" من طريق عُبيد بن عُمير أن أبا موسى الأشعريّ استأذن على عمر بن الخطاب، فلم يؤذن له، وكأنه كان مشغولًا فرجع أبو موسي، ففَزِع عمر، فقال: "ألم أسمع صوت عبد الله بن قيس؟ ائذنوا له، قيل: إنه رجع".

وفي رواية بكير بن الأشجّ، عن بسر الآتية في الباب: "استأذنت على عمر أمس ثلاث مرّات، فلم يؤذن لي، فرجعت، ثم جئت اليوم، فدخلت عليه، فأخبرته أني جئت أمس، فسلّمت ثلاثًا، ثم انصرفت، قال: قد سمعناك، ونحن حينئذ على شغل، فلو ما استأذنت حتى يؤذَن لك، قال: استأذنت كما سَمِعتُ"، ومن طريق أبي نضرة، عن أبي سعيد: "أن أبا موسى أتى باب عمر، فاستأذن، فقال عمر: واحدةٌ، ثم استأذن، فقال عمر: اثنتان، ثم استأذن، فقال عمر: ثلاثٌ، ثم انصرف، فاتبعه، فردّه"، ومن طريق طلحة بن يحيي، عن أبي بُردة: جاء أبو موسى إلى عمر، فقال: السلام عليكم، هذا


(١) "المفهم" ٥/ ٤٧٣ - ٤٧٤.