للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

العلوم؟ والله أساله علمًا نافعًا، وعملًا متقبلًا، ورزقًا واسعًا، لا شريك له. انتهى كلام أبي عمر -رَحِمَهُ اللهَ- (١).

وقال في "الفتح": وأطلق عمر -رضي الله عنه- على الاشتغال بالتجارة لَهْوًا؛ لأنَّها ألهته عن طول ملازمته النبيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى سمع غيره منه ما لَمْ يسمعه، ولم يقصد عمر تَرْك أصل الملازمة، وهي أمر نسبيّ، وكان احتياج عمر إلى الخروج للسوق من أجل الكسب لعياله، والتعفف عن الناس، وأما أبو هريرة -رضي الله عنه- فكان وحده، فلذلك أكثر ملازمته، وملازمةُ عمر للنبيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا تخفي، واللهو مطلقًا: ما يُلْهِي، سواءٌ كان حرامًا، أو حلالًا، وفي الشرع ما يَحْرُم فقط. انتهى (٢).

وقد عقد البخاريّ -رَحِمَهُ اللهُ- في "كتاب الاعتصام بالكتاب والسنّة" من "صحيحه": "باب الحجة على من قال: إن أحكام النبيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كانت ظاهرة، وما كان يغيب بعضهم عن مشاهد النبيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وأمور الإسلام".

قال في "الفتح": هذه الترجمة معقودة لبيان أن كثيرًا من الأكابر، من الصحابة، كان يغيب عن بعض ما يقوله النبيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أو يفعله من الأعمال التكليفية، فيستمرّ على ما كان اطّلَع عليه هو، إما على المنسوخ؛ لعدم اطلاعه على ناسخه، وإما على البراءة الأصلية، وإذا تقرر ذلك قامت الحجة على من قَدَّم عَمَلَ الصحابيّ الكبير، ولا سيما إذا كان قد وَلِي الحكم على رواية غيره متمسكًا بأن ذلك الكبير لولا أن عنده ما هو أقوى من تلك الرواية لَمَا خالفها، ويَرُدّه أن في اعتماد ذلك تَرْك المحقَّق للمظنون.

وقال ابن بطال: أراد الردّ على الرافضة، والخوارج الذين يزعمون أن أحكام النبيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وسُننه منقولة عنه نقلَ تواتر، وأنه لا يجوز العمل بما لَمْ يُنْقَل متواترًا، قال: وقولهم مردود بما صحّ أن الصحابة كان يأخذ بعضهم عن بعض، ورجع بعضهم إلى ما رواه غيره، وانعقد الإجماع على القول بالعمل بأخبار الآحاد.


(١) "التمهيد لابن عبد البرّ" ٣/ ٢٠٢.
(٢) "الفتح" ٥/ ٥١٧، كتاب "البيوع" رقم (٢٠٦٢).