للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقوله: (جَاءَ بِالْعَشِيِّ) الظاهر أن الباء زائدة؛ أي: جاء وقت العشيّ، ويَحتمل أن تكون بمعنى "في"؛ أي: لما جاء عمر -رضي الله عنه- إلى المسجد في وقت العشيّ، (وَجَدُوهُ)؛ أي: وجدوا أبا موسى في المسجد. (قَالَ) عمر (يَا أَبَا مُوسَى مَا تَقُولُ؟، أَقَدْ وَجَدْتَ؟)؛ أي: من يشهد لك على ما قلت؟ (قَالَ) أبو موسى (نَعَمْ) وجدت (أُبَيُّ بْنَ كعْبٍ) -رضي الله عنه-، فإنه يشهد لي. (قَالَ) عمر -رضي الله عنه- (عَدْلٌ) خبر لمحذوف؛ أي: هو عدلٌ مقبول الشهادة. (قَالَ) عمر (يَا أَبَا الطُّفَيْلِ) كنية أُبَيّ -رضي الله عنه- (مَا يقُولُ هَذَا؟)؛ أي: أبو موسي، (قَالَ) أُبيّ (سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ ذَلِكَ)؛ أي: ما قال لك أبو موسى من قوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "الاستئذان ثلاث".

قال الجامع عفا الله عنه: هذه الرواية تخالف ما سبق من أن الذي شهد لأبي موسى هو أبو سعيد، لا أُبيّ بن كعب، قال في "الفتح" بعد أن ذكر رواية مسلم هذه ما نصّه: هكذا وقع في هذه الطريق، وطلحة بن يحيى فيه ضعف، ورواية الأكثر أولى أن تكون محفوظة، ويمكن الجمع بأن أُبيّ بن كعب جاء بعد أن شهد أبو سعيد. انتهى (١).

قال الجامع: والجمع المذكور أَولى من تضعيف الرواية، فتنبّه، والله تعالى أعلم.

(يَا ابْنَ الْخَطَّابِ فَلَا تَكُونَنَّ عَذَابًا عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) قال النوويّ -رَحِمَهُ اللهُ-: معنى كلام أُبَيّ بن كعب -رضي الله عنه- هذا الإنكار على عمر -رضي الله عنه- في إنكاره الحديث المشهور.

وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: وقول أُبيّ لعمر بن الخطاب -رضي الله عنهما-: "إلا تكوننّ عذابًا على أصحاب رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-" يدلُّ على ما كانوا عليه من القوَّة في دين الله، وعلى قول الحقّ، ومن قبوله، والعمل به، فإنَّ أُبيًّا أنكر على عمر تهديده لأبي موسى -رضي الله عنهم-، فقام بما عليه من الحقّ، ولمّا تحقق عمر الحقَّ قَبِلَه، واعتذر عما صدر عنه، رضي الله عنهم أجمعين (٢).


(١) "الفتح" ١٤/ ١٧٠، كتاب "الاستئذان" رقم (٦٢٤٥).
(٢) "المفهم" ٥/ ٤٧٧.