للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مشقة عليه، وأما القليل فلفضيلة الجماعة، أو لأن الجماعة لو ابتدءوا لخيف على الواحد الزهو، فاحتيط له.

ولم يقع تسليم الصغير على الكبير في "صحيح مسلم"، وكأنه لمراعاة السنّ، فإنه معتبَر في أمور كثيرة في الشرع، فلو تعارض الصِّغَر المعنويّ والحسيّ، كان يكون الأصغر أعلم مثلًا فيه نظرٌ، قال الحافظ: ولم أر فيه نقلًا، والذي يظهر اعتبار السنّ؛ لأنه الظاهر، كما تُقَدَّم الحقيقة على المجاز.

ونقل ابن دقيق العيد عن ابن رشد أن محل الأمر في تسليم الصغير على الكبير إذا التقيا، فإن كان أحدهما راكبًا، والآخر ماشيًا بدأ الراكب، وإن كانا راكبين، أو ماشيين بدأ الصغير.

وقال المازريّ (١) وغيره: هذه المناسبات لا يُعترض عليها بجزئيات تُخالِفها؛ لأنها لم تُنصب نَصْبَ العلل الواجبة الاعتبار، حتى لا يجوز أن يعدل عنها، حتى لو ابتدأ الماشي فسلَّم على الراكب لم يُمنع؛ لأنه ممتثل للأمر بإظهار السلام، وإفشائه، غير أن مراعاة ما ثبت في الحديث أَولى، وهو خبر بمعنى الأمر على سبيل الاستحباب، ولا يلزم من ترك المستحب الكراهة، بل يكون خلاف الأَولى، فلو ترك المأمور بالابتداء، فبدأه الآخر كان المأمور تاركًا للمستحب، والآخر فاعلًا للسُّنَّة، إلا إن بادر، فيكون تاركًا للمستحب أيضًا.

وقال المتولي: لو خالف الراكب، أو الماشي ما دلّ عليه الخبر كُرِهَ، قال: والوارد يبدأ بكل حال.

وقال الكرمانيّ (٢): لو جاء أن الكبير يبدأ الصغير، والكثير يبدأ القليل، لكان مناسبًا؛ لأن الغالب أن الصغير يخاف من الكبير، والقليل من الكثير، فإذا بدأ الكبير والكثير أمِن منه الصغير والقليل، لكن لمّا كان من شأن المسلمين أن يأمن بعضهم بعضًا اعتُبِر جانب التواضع، كما تقدم، وحيث لا يظهر رجحان أحد الطرفين باستحقاقه التواضع له اعتُبِر الإعلام بالسلامة، والدعاء له؛ رجوعًا إلى ما هو الأصل، فلو كان المشاة كثيرًا والقعود قليلًا


(١) "المعلم" ٣/ ٨٨.
(٢) "شرح البخاريّ" للكرمانيّ ٢٢/ ٧٨.