للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

غالبًا، وقيل: هو معلَّل بأن القاعد قد يقع له خوف من الماشي؛ فإذا بدأه بالسَّلام أَمِن ذلك، وهذأ أيضًا بعيد؛ إذ لا خصوصية للخوف بالقاعد، فقد يخاف الماشي من القاعد، وأشبه من هذا أن يقال: إن القاعد على حال وقار، وثبوت، وسكون، فله مزيَّة بذلك على الماشي؛ لأنَّ حاله على العكس من ذلك، وأما ابتداء القليل بالسَّلام على الكثير فمراعاة لشرفية جمع المسلمين، وأكثريتهم، وقد زاد البخاريّ في هذا الحديث: "ويسلِّم الصغير على الكبير"، وهذه المعاني التي تَكَلَّف العلماء إبرازها هي حِكَمٌ تُناسب المصالح المحسِّنة، والمكمِّلة، ولا نقول: إنها نُصِبت نَصْب العلل الواجبة الاعتبار، حتى لا يجوز أن يُعْدَل عنها، فنقول: إن ابتداء القاعد للماشي غير جائز، وكذلك ابتداء الماشي الراكب، بل يجوز ذلك؛ لأنَّه مُظهر للسَّلام، ومفشٍ له، كما أمر به النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بقوله: "أفشوا السَّلام بينكم"، وبقوله: "إذا لقيت أخاك فسلِّم عليه".

وإذا تقرر هذا فكل واحد من الماشي والقاعد مأمور بأن يسلِّيم على أخيه إذا لقيه، غير أن مراعاة تلك المراتب أَولى. انتهى كلام القرطبيّ رحمه الله (١)، وهو حسنٌ جدًّا، والله أعلم.

(المسألة الرابعة): قال القرطبيّ رحمه الله أيضًا: ثم هذا السَّلام المأمور به، وهو أن يقول: السَّلام عليكم، أو: سلامٌ عليكم؛ إذ قد جاء اللفظان في الكتاب والسُّنَّة، والسلام في الأصل بمعنى السلامة؛ كاللَّذَاذِ واللَّذَاذة، كما قال تعالى: {فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (٩١)} [الواقعة: ٩١]؛ أي: سلامةٌ لك مني، وأمان، والسَّلام أيضًا: اسم من أسماء الله تعالى، كما قال تعالى: {السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ} [الحشر: ٢٣]، ومعناه في حق الله تعالى: أنه المنزَّه عن النقائص والآفات التي تجوز على خَلْقه، وعلى هذا فيكون معنى قول المسلم: السلام عليك؛ أي: الله مُطَّلع عليك، وناظر إليك، فكأنَّه يُذَكِّره باطلاع الله تعالى، ويُخَوِّفه به ليأمَنَ منه، ويُسلِّمُه من شرِّه، فإذا أُدخلت الألف واللام على المعنى الأول كان معناه السلامة كلها لك مني، وإذا أُدخلت على اسم الله تعالى كانت تفخيمًا وتعظيمًا؛ أي: الله العظيم السليم من النقائص، والآفات،


(١) "المفهم" ٥/ ٤٨٣ - ٤٨٤.