للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وفي "موطأ الإِمام مالك" - رضي الله عنه -، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، أن الطُّفيلَ بن أُبيّ بن كعب أخبرَه، أنه كان يأتي عبدَ الله بن عمر، فيغدو معه إلى السوق، قال: فإذَا غدوْنا إلى السوق لم يمرّ بنا عبدُ الله على سَقَّاطٍ، ولا صاحب بَيْعَةٍ، ولا مِسكين، ولا أحدٍ إلَّا سلَّم عليه؛ قال الطُّفيلُ: فجئتُ عبدَ اللهَ بن عمر يومًا، فاستتبعني إلى السوق، فقلتُ له: ما تصنعُ بالسوق، وأنتَ لا تقفُ على البيْع، ولا تسألُ عن السِّلعِ، ولا تسومُ، ولا تجلسُ في مجالس السوق؟ قال: وأَقولُ: اجلسْ بنا ها هنا نتحدّثْ، فقال لي ابن عمر: يا أبا بطن -وكان الطفيلُ ذا بطن- إنما نغدو من أجل السلام، نُسَلِّم على مَن لقيناه (١).

وقال البخاريّ في "صحيحه": وقال عمّار - رضي الله عنه -: ثلاثٌ من جَمعهنّ، فقد جمعَ الإِيمانَ؛ الإِنصافُ من نفسك، وبذلُ السَّلام للعالم، والإِنفاقُ من الإِقتار، وهو موقوف صحيحٌ، وروي مرفوعًا، لكنه ضعيف.

قال النوويّ رحمه الله: قد جمعَ في هذه الكلمات الثلاث خيراتِ الآخرة والدنيا، فإنَّ الإِنصافَ يقتضي أن يؤدّي إلى الله تعالى جميع حقوقه، وما أَمَره به، ويجتنب جميع ما نهاه عنه، وأن يؤدّي إلى الناس حقوقهم، ولا يطلب ما ليس له، وأن يُنصف أيضًا نفسه، فلا يوقعها في قبيح أصلًا.

وأما بذلُ السلام للعالِم فمعناه لجميع الناس، فيتضمن أن لا يتكبر على أحد، وأن لا يكون بينه وبين أحد جفاء يمتنع من السلام عليه بسببه.

وأما الإِنفاق من الإقتار فيقتضي كمال الوثوق بالله تعالى، والتوكل عليه، والشفقة على المسلمين، إلى غير ذلك، نسأل الله تعالى الكريم التوفيق لجميعه. انتهى (٢)، والله تعالى أعلم.

(المسألة الثانية عشرة): قال النوويّ: قال الإمام أبو سعد المتولي وغيره: إذا نادى إنسان إنسانًا من خلف سِتْر، أو حائط، فقال: السلام عليك يا فلان، أو كتب كتابًا فيه: السلام عليك يا فلان، أو السلام على فلان، أو


(١) قال الحافظ: موقوف صحيح.
(٢) "الأذْكَارُ النَّوَويَّة" للإِمام النَّوَويّ ١/ ٣١٠.