للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

البَأْس: الحَرب، ثم كَثُرَ، حتى قيل: لا بَأْسَ عليك؛ أي: لا خَوْفَ، قال قَيْسُ ابنُ الخَطِيم [من الطويل]:

يقولُ لي الحَدّادُ وَهْوَ يَقودُني … إِلَى السِّجْنِ لا تَجْزَعْ فما بكَ من باسِ

أراد: فما بك من بَأْسِ فخَفَّفَ. انتهى (١).

والمراد هنا: الأمر المكروه؛ أي: جلسنا لغير أمر مكروه، بل هو مطلوب؛ لكونه من مصالحنا العامّة، حيث نجتمع، ونتحدّث في الأمور الجارية بين مجتمعنا؛ إذ لا يمكن ذلك إلا في مثل هذا الموضع، وهي الصُّعُدات؛ لكونه مشتركًا بين الجميع، والله تعالى أعلم.

(قَعَدْنَا نَتَذَاكَرُ)؛ أي: نتذاكر العلم والدين، (وَنَتَحَدَّثُ) بالمصالح، والخير. (قَالَ) - صلى الله عليه وسلم - ("إِمَّا لَا فَأَدُّوا حَقَّهَا) قال النوويّ رحمه الله: "إمّا لا" بكسر الهمزة، وبالإمالة، ومعناه: إن لم تتركوها، فأدوا حقها.

وقال القرطبيّ رحمه الله: قوله: "إمَّا لا" هي: "إن" الشرطية المكسورة زيدت عليها "ما" تأكيدًا للنَّفي، و"لا" عبارة عن الامتناع، والإباية، فكأنَّه قال: إن كان، ولا بُدَّ من إبايتكم، ولا غنى لكم عن قعودكم فيها؛ فأعطوا الطريق حقَّها (٢).

ثمّ بينّ - صلى الله عليه وسلم - لهم حقّ الطريق، فقال: (غَضُّ الْبَصَرِ) عما لا يحلّ النظر إليه، (وَرَدُّ السَّلَامِ) على كلّ من سلّم رجالًا، أو نساءً (وَحُسْنُ الْكَلَامِ")؛ أي: تكليم الناس بالكلام الحسن، قال النوويّ رحمه الله: يدخل فيه حُسن كلامهم في حديثهم بعضهم لبعض، فلا يكون فيه غيبة، ولا نميمةٌ ولا كذب، ولا كلام ينقص المروءة، ونحو ذلك من الكلام المذموم، ويدخل فيه كلامهم للمارّ، مِن ردّ السلام، ولُطف جوابهم له، وهدايته للطريق، وإرشاده لمصلحتهم، ونحو ذلك. انتهى (٣).

وقال القرطبيّ رحمه الله: قوله: "وحسن الكلام": يريد أن من جلس على الطريق، فقد تعرَّض لكلام الناس، فليحسِّن لهم كلامه، ويصلح شأنه. انتهى.


(١) " تاج العروس" ١/ ٣٨٤٩.
(٢) "المفهم" ٥/ ٤٨٧.
(٣) "شرح النوويّ" ١٤/ ١٤٢ - ١٤٣.