وقال النوويّ رحمه الله: المقصود منه أنه يُكره الجلوس على الطرقات للحديث ونحوه، وقد أشار النبيّ - صلى الله عليه وسلم - إلى علة النهي، من التعرض للفتن، والإثم بمرور النساء، وغيرهنّ، وقد يمتد النظر إليهنّ، أو الفكر فيهنّ، أو ظنّ السوء فيهنّ، أو في غيرهنّ من المارّين، ومِن أذى الناس باحتقار مَن يمر، أو غيبة، أو غيرها، أو إهمال ردّ السلام في بعض الأوقات، أو إهمال الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ونحو ذلك من الأسباب التي لو خلا في بيته سَلِم منها، ويدخل في الأذى أن يضيّق الطريق على المارين، أو يمتنع النساءُ ونحوهنّ من الخروج في أشغالهنّ بسبب قعود القاعدين في الطريق، أو يجلس بقرب باب دار إنسان يتأذى بذلك، أو حيث يَكشف من أحوال الناس شيئًا يكرهونه. انتهى (١).
وقال القرطبيّ رحمه الله: هذا الحديث إنكارٌ للجلوس على الطرقات، وزجرٌ عنه، لكن محمله على ما إذا لم ترُهق إلى ذلك حاجة، كما قالوا: ما لنا من ذلك بُدٌّ؛ نتحدَّث فيها، لكن العلماء فَهِموا أن ذلك المنع ليس على جهة التحريم، وإنَّما هو من باب سدِّ الذرائع، والإرشاد إلى الأصلح، ولذلك قالوا: إنما قعدنا لغير ما بأس، قعدنا نتذاكر ونتحدَّث؛ أي: نتذاكر العلم والدين، ونتحدَّث بالمصالح والخير، ولمّا علم النبيّ - صلى الله عليه وسلم - منهم ذلك، وتحقَّق حاجتهم إليه؛ أباح لهم ذلك، ثم نبَّههم على ما يتعيَّن عليهم في مجالسهم تلك من الأحكام، فقال:"إما لا فأدّوا حقها"، فكأنَّه قال: إن كان ولا بُدَّ من إبايتكم، ولا غنى لكم عن قعودكم فيها؛ فأعطوا الطريق حقَّها، فلمَّا سمعوا لفظ الحقّ- وهو مجمَل- سألوا عن تفصيله، ففضَله لهم- كما سبق في حديث أبي سعيد - رضي الله عنه - بقوله:"غضُّ البصر، وكفُّ الأذى، وردُّ السَّلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر"، وهذه الحقوق كلها واجبة على من قعد على طريق، ولمّا كان القعود على الطريق يُفضي إلى أن يتعلق بها هذه الحقوق، ولعلَّه لا يقوم ببعضها فيتعرَّض لذمِّ الله تعالى ولعقوبته كره القعود فيها، وغلَّظ بالزجر المتقدِّم، والإنكار، فإنْ دعت إلى ذلك حاجة؛ كالاجتماع في مصالح