للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الوجوب، خلافًا لقول ابن بطال: المراد حقّ الحرمة، والصحبة، والظاهر أن المراد به هنا وجوب الكفاية. انتهى (١).

وفي الرواية الثانية: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: (خَمْسٌ تَجِبُ لِلْمُسْلِمِ عَلَى أَخِيهِ: رَدُّ السَّلَامِ) وهو فرض بالإجماع، فإن كان السلام على واحد كان الردّ فرض عَيْن عليه، وإن كان على جماعة كان فرض كفاية في حقهم؛ إذا ردّ أحدهم سقط الحرج عن الباقين، قاله النوويّ رحمه الله (٢).

(وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ) التشميت بالسين المهملة، والشين المعجمة، لغتان مشهورتان، قال ابن منظور رحمه الله: والتسميت ذِكْر الله على الشيء، وقيل: التسميتُ ذكر الله عز وجل على كلّ حال، والتسميت الدعاء للعاطس، وهو قولك له: يرحمك الله. وقيل معناه: هداك الله إلى السمت، وذلك لِمَا في العاطس من الانزعاج، والْقَلَق، هذا قول الفارسيّ، وقد تقدّم البحث في هذا مطوّلًا في شرح حديث البراء - رضي الله عنه - في "اللباس والزينة" برقم [١/ ٥٣٧٧] (٢٠٦٦).

وقال في "الفتح": وقد أخذ بظاهرها -أي: بظاهر الراويات التي تدلّ على الوجوب، كقوله: "خمس تجب للمسلم"- ابن مزين من المالكية، وقال به جمهور أهل الظاهر، وقال ابن أبي جمرة (٣): قال جماعة من علمائنا: إنه فرض عين، وقوّاه ابن القيم في "حواشي السنن"، فقال: جاء بلفظ الوجوب الصريح، وبلفظ الحقّ الدال عليه، وبلفظ "على" الظاهرة فيه، وبصيغة الأمر التي هي حقيقة فيه، وبقول الصحابيّ: أَمَرنا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: ولا ريب أن الفقهاء أثبتوا وجوب أشياء كثيرة بدون مجموع هذه الأشياء.

وذهب آخرون إلى أنه فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين، ورجّحه أبو الوليد ابن رشد، وأبو بكر ابن العربيّ، وقال به الحنفية، وجمهور الحنابلة، وذهب عبد الوهاب، وجماعة من المالكية إلى أنه مستحبّ، ويجزئ الواحد عن الجماعة، وهو قول الشافعية، قال الحافظ: والراجح من حيث الدليل القول الثاني، والأحاديث الصحيحة الدالة على الوجوب لا تنافي كونه


(١) "الفتح" ٣/ ٦٨١ - ٦٨٢، كتاب "الجنائز" رقم (١٢٤٠).
(٢) "شرح النوويّ" ١٤/ ٣٢.
(٣) "بهجة النفوس" ٤/ ١٨٧.