(قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ) بن همّام: (كَانَ مَعْمَرٌ)؛ أي: ابن راشد شيخه، (يُرْسِلُ هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ الزُّهْرِيِّ)؛ أي: يرويه مرسلًا عن الزهريّ، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، (وَأَسْنَدَهُ) وفي نسخة: "فأسنده"، (مَرَّةً)؛ أي: رواه متّصلًا (عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُريْرَةَ) - رضي الله عنه -، وأشار بهذا إلى أن هذا الحديث مما رواه معمر كثيرًا عن الزهريّ مرسلًا بحذف ابن المسيّب، وأبي هريرة، ورواه مرّةً متّصلًا بذكرهما، وهو من مسلم رحمه الله إشارة إلى أن مذهبه أن الإرسال لا يؤثّر في صحّة الحديث، وإن كان هو الأكثر؛ لأن الحكم للوصل، وإن كان قليلًا، وهو المذهب الصحيح، وقد حقّقت هذا الموضع في شرح "ألفيّة الحديث" للسيوطيّ رحمه الله عند قوله:
وحاصل المسألة أنه إذا اختلف الرواة في حديث واحد من طريق واحد، فرواه بعضهم مرسلًا، وبعضهم موصولًا، أو رواه بعضهم مرفوعًا، وبعضهم موقوفًا، فالقول الراجح، وهو الصحيح عند المحدّثين، والفقهاء، والأصوليين أن تُقَدَّم الرواية التي فيها الزيادة، من الوصل، والرفع؛ لأن الزيادة من الثقة واجب قبولها؛ لأنه حفظ ما غاب عن غيره، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ، وهذا إذا لم يدلّ دليل على كونها وَهَمًا من الراوي، فتردّ.
وذهب بعضهم إلى تقديم الوقف والإرسال، وبعضهم إلى تقديم رواية الأكثر، وقيل: يقدّم الأحفظ، والصحيح ما قدّمناه.
ومثل هذا ما إذا اختلف الراوي الواحد على نفسه -كما في رواية معمر هذه- فرواه مرّة مصولًا، ومرّة، أو مرّات مرسلًا، أو اختلف في الرفع والوقف، فالصحيح تقديم الرواية الزائدة؛ إذ قد يَنشط الشيخ، فيأتي بالحديث على وجهه، وقد يعرض له ما يدعوه إلى وقفه، أو إرساله؛ لمناسبة خاصّة،