وقال القرطبيّ رحمه الله:"عليك" بغير واو هي الرواية الواضحة المعنى، وأما مع إثبات الواو ففيها إشكال؛ لأنَّ الواو العاطفة تقتضي التشريك بين المعطوف والمعطوف عليه، فيلزم منه أن تدخل معهم فيما دعوا به علينا من الموت، أو من سآمة ديننا، فاختلف المتأولون في ذلك، فقال بعضهم: الواو زائدة، كما زيدت في قول الشاعر:
فلمَّا أجَزْنا ساحة الحيِّ وانتحى
أي: لمّا أجزنا انتحى، فزاد الواو، وقيل: إن الواو في الحديث للاستئناف، فكأنه قال: والسَّام عليكم، وهذا كله فيه بُعد، وأوَّلى من هذا كُلّه أن يقال: إن الواو على بابها من العطف، غير أنا نجاب عليهم، ولا يجابون علينا، كما قاله النبي - صلى الله عليه وسلم -، ورواية حذف الواوأحسن معنى، وإثباتها أصحّ روايةً، وأشهر. انتهى كلام القرطبيّ رحمه الله (١).
قال الجامع عفا الله عنه: هذا الذي قرّره القرطبيّ رحمه الله حسنٌ جدًّا، وأَولى مما سبق ترجيح النوويّ له، فتأمله بالإمعان.
والحاصل أنه؛ لا إشكال في ثبوت الواو؛ لأن التشريك فيها منتف معنى؛ إذ لا يجاب لهم علينا، ونحن نجاب عليهم، كما قال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فلا تشريك، فلا إشكال، فتأملّه حقّ التأمل، والله تعالى أعلم.
وقد أطال الحافظ رحمه الله البحث في هذا الحديث، وسيأتي ذكره في المسألة الثالثة- إن شاء الله تعالى-.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - هذا متّفقٌ عليه.
(المسألة الثانية): في تخريجه:
أخرجه (المصنّف) هنا [٤/ ٥٦٤٠ و ٥٦٤١](٢١٦٣)، و (البخاريّ) في "الاستئذان"(٦٢٥٨) و"استتابة المرتدّين"(٢٩٢٦)، وفي "الأدب المفرد"(١١٠٥)، و (أبو داود) في "الأدب"(٥٢٠٧)، و (الترمذيّ) في "التفسير"