لأن الاسترداد حينئذ لا فائدة له؛ لأنه لم يحصل له منه شيء؛ لكونه قصد السلام على المسلم، وقال غيره: له فائدةٌ، وهي إعلام الكافر بأنه ليس أهلًا للابتداء بالسلام، قال الحافظ: ويتأكد إذا كان هناك من يُخْشَى إنكاره لذلك، أو اقتدأوه به؛ إذا كان الذي سَلَّم ممن يُقْتَدى به.
وقال النوويّ رحمه الله: واختَلَف العلماء في ردّ السلام على الكفار، وابتدائهم به، فمذهبنا تحريم ابتدائهم به، ووجوب ردّه عليهم، بأن يقول: وعليكم، أو عليكم فقط، ودليلنا في الابتداء قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تبدأوا اليهود، ولا النصارى بالسلام،، وفي الردّ قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فقولوا: وعليكم"، وبهذا الذي ذكرناه عن مذهبنا قال أكثر العلماء، وعامة السلف.
وذهبت طائفة إلى جواز ابتدائنا لهم بالسلام، رُوي ذلك عن ابن عباس، وأبي أمامة، وابن أبي محيريز، وهو وجه لبعض أصحابنا، حكاه الماورديّ، لكنه قال: يقول: السلام عليك، ولا يقول: عليكم، بالجمع، واحتجّ هؤلاء بعموم الأحاديث، وبإفشاء السلام، وهي حجة باطلة؛ لأنه عامّ مخصوص بحديث: "لا تبدأوا اليهود، ولا النصارى بالسلام".
وقال بعضُ أصحابنا: يكره ابتداؤهم بالسلام، ولا يحرُم، وهذا ضعيف أيضًا؛ لأن النهي للتحريم، فالصواب تحريم ابتدائهم.
وحَكَى القاضي عن جماعة أنه يجوز ابتداؤهم به للضرورة والحاجة، أو سبب، وهو قول علقمة، والنخعيّ، وعن الأوزاعيّ أنه قال: إن سلّمتَ فقد سلّم الصالحون، وإن تركت فقد ترك الصالحون.
وقالت طائفة من العلماء: لايردّ عليهم السلام، ورواه ابن وهب، وأشهب عن مالك.
وقال بعض أصحابنا: يجوز أن يقول في الردّ عليهم: وعليكم السلام، ولكن لا يقول: ورحمة الله، حكاه الماورديّ، وهو ضعيفٌ مخالف للأحاديث، والله أعلم (١).
قال الجامع عفا الله عنه: هذا الذي حقّقه النوويّ رحمه الله من ترجيح القول