للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بعدم جواز ابتداء الكافر بالسلام، ومشروعيّة الردّ عليه إذا سلّم، وتضعيفه الأقوال المخالفة لهذا هو الصواب الذي تؤيّده الأدلة الواضحة، فتبصّر بالإنصاف، والله تعالى أعلم.

قال: ويجوز الابتداء بالسلام على جَمْع فيهم مسلمون وكفار، أو مسلم وكفار، ويقصد المسلمين؛ للحديث السابق أنه - صلى الله عليه وسلم - سَلَّم على مجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين (١). انتهى (٢).

وقال القرطبيّ رحمه الله: وقد اختُلِف في ردِّ السَّلام على أهل الذّمَّة؛ هل هو واجبٌ كالردّ على المسلمين؟ وإليه ذهب ابن عبَّاس، والشعبيّ، وقتادة؛ تمسُّكًا بعموم الآية، وبالأمر بالردِّ عليهم بالذي في هذه الأحاديث.

وذهب مالك فيما رَوَى عنه أشهب، وابن وهب إلى أن ذلك ليس بواجب، فإنْ رددت؛ فقل: عليك، والاعتذار عن ذلك بأن ذلك بيان أحكام المسلمين؛ لأن سلام أهل الذمة علينا ليس تحية لنا؛ وإنما هو دعاء علينا، كما قد بيَّنه النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بقوله: "إنما يقولون: السَّام"، فلا هم يحيوننا، ولا نحن نردّ عليهم تحيَّة، بل دعاءً عليهم ولعنةً، كما فعلته عائشة - رضي الله عنها -، وأمْره لنا بالردّ، إنما هو لبيان الردّ لِمَا قالوه خاصة، فإنْ تحققنا من أحدهم أنه تلفظ بالسَّلام رددنا عليه ب "عليك" فقط، لإمكان أن يريد بقلبه غير ما نطق بلسانه، وقد اختار ابن طاووس أن يقول في الرد عليهم: عَلاكَ السَّلامُ؛ أي: ارتفع عنك، واختار بعض أصحابنا: السِّلام -بكسر السين-؛ يعني: به الحجارة، وهذا كلّه تكلُّف، بل: ما قاله مالك كافٍ شافٍ. انتهى كلام القرطبيّ رحمه الله (٣)، وهو بحث جيّدٌ، والله تعالى أعلم.

٤ - (ومنها): أنه استُدِلّ به على أن هذا الردّ خاص بالكفار، فلا يجزئ في الردّ على المسلم، وقيل: إن أجاب بالواو أجزأ، وإلا فلا، وقال ابن دقيق العيد: التحقيق أنه كافٍ في حصول معنى السلام، لا في امتثال الأمر في قوله: {فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء: ٨٦].


(١) متّفقٌ عليه.
(٢) "شرح النوويّ" ١٤/ ١٤٥.
(٣) "المفهم" ٥/ ٤٩٢.