وعلى رأي الشلوبين يجب أن تقول: عسى أن يقوم الزيدان، وعسى أن يقوم الزيدون، وعسى أن تقوم الهندات، فلا تأتي في الفعل بضميرٍ؛ لأنه رفع الظاهر الذي بعده (١)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الخامسة): قال العلماء: الحكمة في نزول عيسى دون غيره من الأنبياء عليهم السلام، الرّدُّ على اليهود في زعمهم أنهم قتلوه، فَبَيَّن الله تعالى كذبهم، وأنه الذي يقتلهم، أو نزوله لدنُوّ أجله؛ لِيُدْفَن في الأرض؛ إذ ليس لمخلوق من التراب أن يموت في غيرها، وقيل: إنه دعا الله لَمّا رأى صفة محمد - صلى الله عليه وسلم - وأمته، أن يجعله منهم، فاستجاب الله دعاءه، وأبقاه حتى يَنْزِل في آخر الزمان، مُجَدِّدًا لأمر الإسلام، فيوافق خروج الدجال فيقتله، والأول أَوْجَهُ.
ورَوَى مسلم في "صحيحه" من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - في مدة إقامة عيسى عليه السلام بالأرض بعد نزوله أنها سبع سنين، ورَوَى نعيم بن حماد في "كتاب الفتن" من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - أن عيسى عليه السلام إذ ذاك يتزوج في الأرض، ويقيم بها تسع عشرة سنة، وبإسناد فيه مبهم، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - يقيم بها أربعين سنة.
ورَوَى أحمد، وأبو داود بإسناد صحيح، من طريق عبد الرحمن بن آدم، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - مثله مرفوعًا، وفي هذا الحديث:"يَنْزِل عيسى عليه ثوبان مُمَصَّران، فَيَدُق الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويدعو الناس إلى الإسلام، ويُهْلِك الله في زمانه الملل كلها، إلا الإسلام، وتقع الأَمَنَةُ في الأرض، حتى تَرْتَعَ الأسود مع الإبل، وتَلْعَب الصبيان بالحيات"، وقال في آخره:"ثم يُتَوَفَّى، فيُصلّي عليه المسلمون".
ورَوَى أحمد، ومسلم من طريق حنظلة بن علي الأسلميّ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال:"والذي نفسي بيده، لَيُهِلَّنَّ ابنُ مريم بِفَجِّ الرَّوْحَاء حاجًّا أو معتمرًا، أو لَيَثْنِيَنّهما".
وفي رواية لأحمد من طريق حنظلة أيضًا عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ينزل عيسى ابن مريم، فيقتل الخنزير، ويمحو الصليب،
(١) راجع: "شرح ابن عقيل على الخلاصة" ١/ ١٨٣ - ١٨٤.