و"الحجابُ" نائب فاعله، ووقع في النسخة المطبوعة مضبوطًا بالقلم:"يُنْزِلَ الحجابَ" بضم أول "ينزل"، وكسر ثالثه، من الإنزال، ونصب الحجاب على المفعوليّة، فيكون الفاعل ضمير الله - عَزَّ وَجَلَّ -، وإن لم يَجْر له ذِكْر قبله؛ للعلم به، والضبطان الأولان أظهر، والله تعالى أعلم.
(قَالَتْ عَائِشَةُ) - رضي الله عنها - (فَأَنْزَلَ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ - الْحِجَابَ) وفي بعض النسخ: "فأُنزل الحجابُ"، وفي رواية للمستملي عند البخاريّ:"آية الحجاب"، زاد أبو عوانة في "صحيحه" من طريق الزُّبيديّ، عن ابن شهاب: فأنزل الله الحجاب: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ} الآية [الأحزاب: ٥٣].
وقال في "الفتح": وسيأتي في "تفسير الأحزاب" أن سبب نزولها قصة زينب بنت جحش لَمّا أَوْلَم عليها، وتأخر النفر الثلاثة في البيت، واستحيا النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أن يأمرهم بالخروج، فنزلت آية الحجاب.
وسيأتي أيضًا حديث عمر: قلت: يا رسول الله إن نساءك يدخل عليهنّ البرّ والفاجر، فلو أمرتهنّ أن يحتجبن، فنزلت آية الحجاب.
ورَوَى ابن جرير في "تفسيره" من طريق مجاهد، قال: بينا النبيّ - صلى الله عليه وسلم - يأكل، ومعه بعض أصحابه، وعائشه تأكل معهم، إذ أصابت يدُ رجل منهم يدها، فكَرِه النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ذلك، فنزلت آية الحجاب.
قال: وطريق الجمع بينها أن أسباب نزول الحجاب تعددت، وكانت قصة زينب آخرها؛ للنصّ على قصتها فيم الآية، والمراد بآية الحجاب في بعضها قوله تعالى:{يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ}[الأحزاب: ٥٩]. انتهى (١).
وقال في "الفتح" في موضع آخر: وقد وقع في رواية مجاهد، عن عائشة - رضي الله عنها - لنزول آية الحجاب سبب آخر، أخرجه النسائيّ، بلفظ:"كنت آكل مع النبيّ - صلى الله عليه وسلم - حَيْسًا في قَعْبٍ، فَمَرّ عمر، فدعاه، فأكل، فأصاب إصبعه إصبعي، فقال: حَسْ - أو: أَوَّه - لو أطاع فيكنّ ما رأتكنّ عين، فنزل الحجاب".
قال: ويُمكن الجمع بأن ذلك وقع قبل قصّة زينب، فلِقُرْبه منها أَطلقت نزول الحجاب بهذا السبب، ولا مانع من تعدد الأسباب.
(١) "الفتح" ١/ ٤٣٠ - ٤٣١، كتاب "الوضوء" رقم (١٤٦).