للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ثم اتُّخِذت الكُنُفُ في البيوت، فتسترن بها، كما في حديث عائشة - رضي الله عنها - في قصّة الإفك أيضًا، فإن فيها: "وذلك قبل أن تُتَّخَذ الكنفُ"، وكانت قصة الإفك قبل نزول آية الحجاب، قاله في "الفتح" (١).

وقال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: وقول عمر - رضي الله عنه - لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "احجُبْ نساءك" مصلحة ظهرت لعمر - رضي الله عنه -، فأشار بها، ولا يُظَنّ بالنبيّ - صلى الله عليه وسلم - أن تلك المصلحة خَفِيت عليه، لكنَّه كان ينتظر الوحي في ذلك، ولذلك لم يوافق عمر - رضي الله عنه - على ذلك حين أشار عليه به، لا سيما، وقد كانت عادة نساء العرب ألا يحتجبن؛ لكرم أخلاق رجالهم، وعفاف نسائهم غالبًا، ولذلك قال عنترة [من الكامل]:

وَأَغُضُّ طَرْفِي مَا بَدَتْ لِيَ جَارَتي … حَتَّى يُوَارِيَ جَارَتِي مَأْوَاهَا

فلمّا لم يكن هنالك ريبةٌ؛ تَرَكهم، ولم ينههم؛ استصحابًا للعادة، وكراهةً لابتداء أمرٍ، أو نهي؛ فإنَّه كان يحبُّ التخفيف عن أمته.

ففيه من الفقه: الإشارة على الإمام بالرأي، وإعادة ذلك إن احتاج إليها، وجواز إشارة المفضول على الفاضل، وجواز إعراض المشار عليه، وتأخير الجواب إلى أن يتبيَّن له وجهٌ يرتضيه. انتهى (٢).

(فَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَفْعَلُ)؛ أي: ما طلب منه عمر - رضي الله عنه - مِنْ حَجْب نسائه، (فَخَرَجَتْ سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ) تقدّم أن الأكثرين على سكون الميم، ويجوز فتحها، وقولها: (زَوْجُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -) بدل من "سودة"، (لَيْلَةً) منصوب على الظرفيّة لـ"خرجت"، (مِنَ اللَّيَالِي) متعلّق بصفة لـ"ليلةً"، (عِشَاءً) بكسر العين، والمدّ بدل من "ليلةً"، (وَكَانَتِ امْرَأَةً طَوِيلَةً) تقدّم في الرواية الماضية: "وكانت امرأة جسيمةً، تَفْرَعُ النساءَ جسمًا". (فَنَادَاهَما عُمَرُ: أَلَا) - ألا بفتح الهمزة، وتخفيف اللام -: حرف استفتاح، يُنَبَّه به على تحقق ما بعده، (قَدْ عَرَفْنَاكِ يَا سَوْدَةُ) منادى مبنيّ على الضم؛ لأنه مفرد علم، وقوله: (حِرْصًا) منصوب على أنه مفعول لأجله، والعامل فيه قوله: "فناداها". (عَلَى أَنْ يُنْزَلَ الْحِجَابَ) يَحْتَمِل بناء الفعل للفاعل، و"الحجاب" مرفوع على الفاعليّة، ويَحْتَمِل بناؤه للمفعول،


(١) "الفتح" ١/ ٤٣٠ - ٤٣١، كتاب "الوضوء" رقم (١٤٦).
(٢) "المفهم" ٥/ ٤٩٥.