للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

نادرًا بمعنى نام ليلًا، وفي الأعم الأغلب بمعنى فَعَلَ ذلك الفعل بالليل، كما اخْتَصّ الفعل في النهار بظلّ، فإذا قلت: بَاتَ يفعل كذا، فمعناه فعله بالليل، ولا يكون إلا مع سَهَر الليل، وعليه قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (٦٤)} [الفرقان: ٦٤]، وقال الأزهريّ: قال الفراء: بَاتَ الرجلُ: إذا سَهِر الليل كلَّه في طاعة، أو معصية، وقال الليث: من قال: بَاتَ بمعنى نام، فقد أخطأ، ألا ترى أنك تقول: بَاتَ يرعى النجوم، ومعناه ينظر إليها، وكيف ينام من يراقب النجوم؟ وقال ابن الْقُوطِيّة أيضًا - وتبعه السَّرَقُسْطِيّ، وابن القَطّاع -: بَاتَ يَفْعَلُ كَذَا: إذا فعله ليلًا، ولا يقال: بمعنى نام، وقد تأتي بمعنى صار، يقال: بَاتَ بموضع كذا؛ أي: صار به، سواء كان في ليل، أو نهار، وعليه قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فإنه لا يدري أين باتت يده؟ "، والمعنى: صارت، ووصلت، وعلى هذا المعنى قول الفقهاء: بَاتَ عند امرأته ليلةً؛ أي: صار عندها، سواء حصل معه نوم، أم لا، وبَاتَ يَباتُ، من باب تَعِبَ لغةٌ. انتهى كلام الفيّوميّ - رَحِمَهُ اللهُ - (١)، وهو بحثٌ مفيدٌ جدًّا، والله تعالى أعلم.

(رَجُلٌ عِنْدَ امْرَأَةٍ ثَيِّبٍ) قال العلماء: إنما خَصّ الثيب؛ لكونها التي يُدخل إليها غالبًا، وأما البكر فمصونة، متصوّنة في العادة، مجانبة للرجال أشدّ مجانبة، فلم يُحتج إلى ذكرها، ولأنه من باب التنبيه؛ لأنه إذا نُهي عن الثيب التي يَتساهل الناس في الدخول عليها في العادة، فالبكر أَولى (٢).

وقال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: قوله: "لا يبيتن رجل عند امرأة ثيِّب": هذا الحديث لا دليلَ خطابٍ له بوجه؛ لأنَّ الخلوة بالأجنبية - بكرًا كانت، أو ثيبًا، ليلًا أو نهارًا - محرَّمةٌ بدليل قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يخلون رجل بامرأة، إلا كان ثالثهما الشيطان"، وبقوله: "لا يدخلنّ رجلٌ على مغيَّبة، إلا ومعه رجل، أو رجلان"، وبقوله: "إياكم والدخول على المغيبات"، وبالجملة فالخلوة بالأجنبية حرام بالاتفاق في كل الأوقات، وعلى كل الحالات، وإنَّما غالبًا، فإنَّ الأبكار يتعذر الوصول إليهن غالبًا للمبالغة في التحرّز بهنّ، ولنَفْرتهنّ عن الرجال، ولأن


(١) "المصباح المنير" ١/ ٦٧.
(٢) "شرح النوويّ" ١٤/ ١٥٣.