للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فيها، وقد رَوَى ابن مردويه من طريق محمد بن أبي حفصة، عن الزهريّ، بهذا الإسناد، في هذا الحديث: "حتى تكون السجدة واحدةً لله رب العالمين" (١).

وقال النوويّ رحمه الله: قوله: "حتى تكون السجدة الواحدة خيرًا من الدنيا وما فيها" معناه - والله أعلم -: أن الناس تكثر رغبتهم في الصلاة، وسائر الطاعات؛ لقصر آمالهم، وعلمهم بقرب القيامة، وقلّة رغبتهم في الدنيا؛ لعدم الحاجة إليها، وهذا هو الظاهر من معنى الحديث، وقال القاضي عياض رحمه الله: معناه أن أجرها خير لمصلّيها من صدقته بالدنيا، وما فيها؛ لفيض المال حينئذ، وهوانه، وقلة الشُّحّ، وقلة الحاجة إليه للنفقة في الجهاد، قال: والسجدة هي السجدة بعينها، أو تكون عبارة عن الصلاة، والله أعلم. انتهى (٢).

وقوله: (ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: اقْرَؤُوا إِنْ شِئْتُمْ {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} الآية [النساء: ١٥٩]).

قال في "الفتح": قوله: "ثم يقول أبو هريرة: واقرؤوا إن شئتم {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} [آل عمران: ١٩٩] الآية، هو موصول بالإسناد المذكور، قال ابن الجوزي رحمه الله: إنما تلا أبو هريرة - رضي الله عنه - هذه الآية، للإشارة إلى مناسبتها لقوله: "حتى تكون السجدة الواحدة خيرًا من الدنيا وما فيها"، فإنه يشير بذلك إلى صلاح الناس، وشدة إيمانهم، وإقبالهم على الخير، فهم لذلك يؤثرون الركعة الواحدة على جميع الدنيا، والسجدة تُطلق، ويراد بها الركعة.

وقال القرطبيّ: معنى الحديث: أن الصلاة حينئذ تكون أفضل من الصدقة؛ لكثرة المال إذ ذاك، وعدم الانتفاع به، حتى لا يقبله أحد، وأهل الحجاز يسمّون الركعة سجدة. انتهى (٣).

وقوله في الآية: {وَإِنْ} بمعنى "ما"، أي: لا يبقى أحدٌ من أهل الكتاب، وهم اليهود والنصارى، إذا نزل عيسى إلا آمن به، وهذا مصير من أبي هريرة - رضي الله عنه - إلى أن الضمير في قوله: {إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ}، وكذلك في قوله: {قَبْلَ مَوْتِهِ} يعود على عيسى عليه السلام، أي إلا ليؤمن بعيسى قبل موت عيسى،


(١) "الفتح" ٦/ ٥٦٨ "كتاب أحاديث الأنبياء" رقم (٣٤٤٩).
(٢) "شرح النوويّ" ٢/ ١٩١.
(٣) "المفهم" ١/ ٣٧١.