وبهذا جزم ابن عباس - رضي الله عنهما -، فيما رواه ابن جرير، من طريق سعيد بن جبير عنه، بإسناد صحيح، ومن طريق أبي رجاء، عن الحسن، قال: قبل موت عيسى، واللهِ إنه الآن لَحَيٌّ، ولكن إذا نزل آمنوا به أجمعون، ونقله عن أكثر أهل العلم، ورجحه ابن جرير وغيره.
ونَقَلَ أهل التفسير في ذلك أقوالًا أُخَرَ، وأن الضمير في قوله:{بِهِ} يعود لله تعالى، أو لمحمد - صلى الله عليه وسلم -، وفي {مَوْتِهِ} يعود على الكتابيّ على القولين، وقيل: على عيسى عليه السلام.
وروى ابن جرير من طريق عكرمة، عن ابن عباس: لا يموت يهوديّ، ولا نصرانيّ حتى يؤمن بعيسى، فقال له عكرمة: أرأيت إن خَرّ من بيت، أو احترق، أو أكله السبع، قال: لا يموت حتى يُحَرِّك شفتيه بالإيمان بعيسى، وفي إسناده خُصَيف، وفيه ضعفٌ.
ورَجَّحَ جماعة هذا المذهب بقراءة أُبَيّ بن كعب - رضي الله عنه -: {إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ}[النساء: ١٥٩] أي: أهل الكتاب.
وقال النوويّ رحمه الله: فيه دلالة ظاهرة على أن مذهب أبي هريرة - رضي الله عنه - في الآية، أن الضمير في {مَوْتِهِ} يعود على عيسى عليه السلام ومعناها: وما من أهل الكتاب يكون في زمن عيسى عليه السلام إلا من آمن به، وعلم أنه عبد الله، وابن أمَتِه، وهذا مذهب جماعة من المفسرين، وذهب كثيرون، أو الأكثرون إلى أن الضمير يعود على الكتابيّ، ومعناها: وما من أهل الكتاب أحدٌ يحضره الموت إلا آمن عند الموت قبل خروج روحه بعيسى عليه السلام وأنه عبد الله، وابن أمَتِه، ولكن لا ينفعه هذا الإيمان؛ لأنه في حضرة الموت، وحالة النزع، وتلك الحالة لا حُكْم لما يُفْعَل، أو يقال فيها، فلا يصح فيها إسلام، ولا كفر، ولا وصيةٌ، ولا بيعٌ، ولا عتقٌ، ولا غير ذلك من الأقوال؛ لقول الله تعالى:{وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ} الآية [النساء: ١٨]، قال: وهذا المذهب أظهر، فإن الأول يَخُصّ الكتابيّ، وظاهر القرآن عمومه لكل كتابيّ في زمن عيسى، وقبل نزوله، ويؤيد هذا قراءةُ مَن قرأ:(قبل موتهم).