وقيل: إن الهاء في {بِهِ} يعود على نبيّنا محمد - صلى الله عليه وسلم -، والهاء في {مَوْتِهِ} تعود على الكتابيّ، والله أعلم. انتهى (١).
وقال الإمام ابن جرير رحمه الله بعد ذكر الأقوال في هذا: وأولى هذه الأقوال بالصحة القول الأول، وهو أنه لا يبقى أحدٌ من أهل الكتاب بعد نزول عيسى عليه السلام إلا آمن به قبل موت عيسى عليه السلام.
قال الحافظ ابن كثير بعد نقل كلام ابن جرير هذا، ما نصّه: ولا شكّ أن هذا الذي قاله ابن جرير هو الصحيح؛ لأنه المقصود من سياق الآي في تقرير بطلان ما ادعته اليهود من قتل عيسى عليه السلام وصَلْبه، وتسليم مَن سَلَّم لهم من النصارى الجَهَلة ذلك، فأخبر الله تعالى أنه لم يكن الأمر كذلك، وإنما شُبِّه لهم، فقتلوا الشَّبَه، وهم لا يتبينون ذلك، ثم إنه رفعه إليه، وإنه باقٍ حيّ، وإنه سينزل قبل يوم القيامة، كما دلت عليه الأحاديث المتواترة، فيقتل مَسِيح الضلالة، ويَكْسِر الصليب، ويقتل الخنزير، ويَضَع الجزية، يعني: لا يقبلها من أحد، من أهل الأديان، بل لا يَقبل إلا الإسلام، أو السيف، فأخبرت هذه الآية الكريمة، أنه يؤمن به جميعُ أهل الكتاب حينئذ، ولا يتخلَّف عن التصديق به واحد منهم، ولهذا قال:{وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ}[النساء: ١٥٩]، أي: قبل موت عيسى عليه السلام الذي زعم اليهود، ومن وافقهم من النصارى، أنه قُتِل، وصُلِب، {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا}[النساء: ١٥٩]؛ أي: بأعمالهم التي شاهدها منهم قبل رفعه إلى السماء، وبعد نزوله إلى الأرض.
فأما من فَسَّر هذه الآية بأن المعنى أن كُلَّ كتابيّ لا يموت حتى يؤمن بعيسى، أو بمحمد - عليهما الصلاة والسلام - فهذا هو الواقع، وذلك أن كُلَّ أحد عند احتضاره ينجلي له ما كان جاهلًا به، فيؤمن به، ولكن لا يكون ذلك إيمانًا نافعًا له، إذا كان قد شاهد المَلَك، كما قال تعالى:{وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ} الآية [النساء: ١٨]، وقال تعالى:{فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} الآيتين [غافر: ٨٤ - ٨٥].