للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وهذا يدل على ضَعْف ما احتجّ به ابن جرير في ردّ هذا القول، حيث قال: ولو كان المراد بهذه الآية هذا، لكان كلُّ من آمن بمحمد - صلى الله عليه وسلم -، أو بالمسيح عليه السلام، ممن كَفَر بهما يكون على دينهما، وحينئذ لا يرثه أقرباؤه من أهل دينه؛ لأنه قد أَخبر الصادق أنه يؤمن به قبل موته.

فهذا ليس بجيد؛ إذ لا يلزم من إيمانه في حالة لا ينفعه إيمانه، أنه يصير بذلك مسلمًا، ألا ترى قول ابن عباس: ولو تَرَدَّى من شاهق، أو ضُرِب بسيف، أو افترسه سبع، فإنه لا بد أنه يؤمن بعيسى؟ فالإيمان به في مثل هذه الحال ليس بنافع، ولا ينقل صاحبه عن كفره؛ لِمَا قدمناه، والله أعلم.

ومن تأمل هذا جَيّدًا، وأمعن النظر اتَّضَحَ له أن هذا وإن كان هو الواقع، لكن لا يلزم منه أن يكون المراد بهذه الآية هذا، بل المراد بها ما ذكرناه، من تقرير وجود عيسى عليه السلام، وبقاء حياته في السماء، وأنه سينزل إلى الأرض قبل يوم القيامة؛ لِيُكَذِّب هؤلاء وهؤلاء من اليهود والنصارى، الذين تباينت أقوالهم فيه، وتصادمت، وتعاكست، وتناقضت، وخَلَت عن الحقّ، ففَرَّطَ هؤلاء اليهود، وأفرط هؤلاء النصارى، تَنَقَّصَهُ اليهودُ بما رموه به وأمه، من العظائم، وأطراه النصارى، بحيث ادَّعَوا فيه ما ليس فيه، فرفعوه في مقابلة أولئك عن مقام النبوة إلى مقام الربوبية، تعالى الله عما يقول هؤلاء وهؤلاء عُلُوًّا كبيرًا وتنزه، وتقدَّس، لا إله إلا هو. انتهى كلام ابن كثير رحمه الله، وهو تحقيقٌ نفيسٌ جدًّا، والله تعالى أعلم بالصواب.

[تنبيه]: طريق ابن عيينة التي أحالها المصنّف رحمه اللهُ هنا ساقها الحافظ أبو نُعيم في "مستخرجه" (١/ ٢١٩)، فقال:

(٣٩٠) حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن، ثنا بشر بن موسى، ثنا الحميدي، (ح) حدثنا فاروق بن عبد الكبير، نا أبو مسلم الكشيّ، ثنا إبراهيم بن بشار، (ح) وحدثنا محمد بن أحمد بن حمدان، ثنا الحسن بن سفيان، ثنا عبد الأعلى بن حماد النَّرْسيّ، قالوا: أنا سفيان بن عيينة، نا الزهريّ، عن سعيد بن المسيِّب، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يوشك أن ينزل فيكم ابنُ مريم حكمًا، وإمامًا مقسطًا، يكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال، حتى لا يقبله أحدٌ"، لفظ الحميديّ.