للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

المعتكف، والتحدُّث معه، غير أنه يُكره الإكثار من ذلك؛ لئلا يشتغل عما دخل إليه من التفرُّغ لعبادة الله تعالى، وعلى أنه: لا يكره له الخلوة مع أهله في المعتَكَف، ولا الحديث معها، وإنما الممنوع المباشرة، لكن هذا للأقوياء، وأما من يخاف على نفسه غلبة شهوة، فلا يجوز؛ لئلا يفسد اعتكافه، وقد كان كثير من الفضلاء يجتنبون دخول منازلهم في نهار رمضان مخافة الوقوع فيما يفسد الصوم، أو ينقص ثوابه. انتهى (١).

(فَحَدَّثْتُهُ) وفي الرواية التالية: "جاءت إلى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - تزوره في اعتكافه في المسجد في العشر الأواخر من رمضان، فتحدَّثَتْ عنده ساعةً"، وفي رواية عند البخاريّ: "فتحدّثت عنده ساعةَ من العشاء"، (ثُمَّ قُمْتُ لأَنْقَلِبَ)؛ أي: لأرجع إلى بيتي (فَقَامَ) - صلى الله عليه وسلم - (مَعِي؛ لِيَقْلِبَنِي) بفتح حرف المضارعة، من باب ضرب؛ أي: لأجل أن يردّني إلى منزلي، فيه جواز تمشي المعتكف مع زوجته ما لم يخرج من المسجد، وليس في الحديث أنه خرج من المسجد، قاله النوويّ رحمه الله (٢).

وقال القرطبيّ رحمه الله: وقولها: "ثم قمت لأنقلب"؛ أي: لأنصرف، "فقام ليقلبني"؛ أي: يصرفني، وهو مفتوح الياء ثلاثيًّا، وهذا يدلّ على أن للمعتكف أن ينصرف في المسجد، وإلى بابه إذا دعته إلى ذلك حاجة؛ غير أنه لا يخرج من بابه إلا للأمور الضرورية التي تقدَّم ذكرها، وقد روي في هذا الحديث: أنه إنما خرج معها إلى باب المسجد، وعلى هذا تأوَّله البخاريّ، ولم يختلف العلماء: أنه لا يفسد خروجه إلى باب المسجد، وإن اختلفوا في كراهة تصرُّفه فيه لغير ضرورة؛ كزيارة مريض، أو صلاة على جنازة، أو صعود إلى المنار للأذان، أو الجلوس إلى قومٍ ليصلح بينهم، فكره مالك كل ذلك في المشهور عنه. انتهى (٣).

ثم بيّن سبب قيامه - صلى الله عليه وسلم - معها؛ ليقلبها بقوله: (وَكَانَ مَسْكَنُهَا فِي دَارِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ) - رضي الله عنهما -، والمعنى: أنه - صلى الله عليه وسلم - إنما قام معها؛ لِبُعد مسكنها من المسجد، وكان الوقت ليلًا، فخاف عليها أن تستوحش.


(١) "المفهم" ٥/ ٥٠٣ - ٥٠٤.
(٢) "شرح النوويّ" ١٤/ ١٥٧.
(٣) "المفهم" ٥/ ٥٠٤.