وفي رواية للبخاريّ من طريق هشام بن يوسف، عن معمر، عن الزهريّ:"كان النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في المسجد، وعنده أزواجه، فَرُحْنَ، وقال لصفية: لا تَعْجَلي، حتى أنصرف معك".
قال الحافظ رحمه الله: والذي يظهر أن اختصاص صفية بذلك؛ لكون مجيئها تأخّر عن رُفقتها، فأمرها بتأخير التوجه ليحصل لها التساوي في مدّة جلوسهنّ عنده، أو أن بيوت رُفقتها كانت أقرب من منزلها، فخَشِي النبيّ - صلى الله عليه وسلم - عليها، أو كان مشغولًا، فأمرها بالتأخر ليفرغ من شغله، ويُشَيِّعها.
ورَوَى عبد الرزاق من طريق مروان بن سعيد بن المعلى:"أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - كان معتكفًا في المسجد، فاجتمع إليه نساؤه، ثم تفرّقن، فقال لصفية: أَقْلِبك إلى بيتك، فذهب معها حتى أدخلها بيتها".
وقوله أيضًا:(وَكَانَ مَسْكَنُهَا: فِي دَارِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدِ) بن حارثة حِبّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وابن حِبّه - رضي الله عنهما - المتوفّى سنة (٥٤) تقدّمت ترجمته في "الإيمان" ٤٣/ ٢٨٤.
والمراد: الدار التي صارت بعد ذلك لأسامة بن زيد؛ لأن أسامة - رضي الله عنه - إذ ذاك لم يكن له دار مستقلّة، بحيث تسكن فيها صفية، وكانت بيوت أزواج النبيّ - صلى الله عليه وسلم - حوالي أبواب المسجد، قاله في "الفتح"(١).
(فَمَرَّ رَجُلَانِ مِنَ الأَنْصَارِ) قال الحافظ رحمه الله: لم أقف على تسميتهما في شيء من كتب الحديث، إلا أن ابن العطار في "شرح العمدة" زعم أنهما أُسيد بن حُضير، وعباد بن بِشْر، ولم يذكو لذلك مستندًا.
قال: ووقع في رواية سفيان عند البخاريّ: "فأبصره رجل من الأنصار" بالإفراد، وقال ابن التين: إنه وَهَمٌ، ثم قال: يَحْتَمِل تعدد القصّة.
قال الحافظ: والأصل عدمه، بل هو محمول على أن أحدهما كان تبعًا للآخر، أو خص أحدهما بخطاب المشافهة، دون الآخر.
ويَحْتَمِل أن يكون الزهريّ كان يشك فيه، فيقول تارةً: رجلٌ، وتارةً: رجلان، فقد رواه سعيد بن منصور، عن هشيم، عن الزهريّ:"لقيه رجل، أو رجلان" بالشكّ، وليس لقوله "رجل" مفهومٌ، نعم رواه مسلم من وجه آخر من