للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

"ما أقول لكما هذا أن تكونا تظنان شرًّا، ولكن قد علمت أن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم".

وقوله: "ابن آدم" المراد جنس أولاد آدم، فيدخل فيه الرجال والنساء، كقوله تعالى: {يَابَنِي آدَمَ}، وقوله: {يَابَنِي إِسْرَائِيلَ} بلفظ المذكر، إلا أن العرف عمَّمه، فأدخل فيه النساء.

(وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ)؛ أي: يرمي، ومنه القذف؛ أي: الرمي، والقذّافة: الآلة التي تَرمي الحجارة، قاله القرطبيّ (١). (فِي قُلُوبِكُمَا شَرًّا") بشين معجمة، وراء مشدّدة، قال القرطبيّ رحمه الله: والمراد بالشرُّ هنا هو الكفر الذي ذكرناه، وفي غير مسلم: "فتهلكا أي: بالكفر الذي يلزم عن ظنِّ السَّوء بالنبيّ - صلى الله عليه وسلم -. انتهى (٢).

(أَو) للشكّ من الراوي (قَالَ) النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، أو أحد الرواة (شَيْئًا) بشين معجمة، ثم ياء تحتانيّة ساكنة،، وفي رواية: "سوءًا أو قال: شيئًا وفي رواية: "إني خِفت أن يُدخل عليكما شيئًا".

قال في "الفتح": والْمُحَصَّل من هذه الروايات أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لم ينسبهما إلى أنهما يظنّان به سوءًا؛ لِمَا تقرر عنده من صِدْق إيمانهما، ولكن خَشِي عليهما أن يُوسوس لهما الشيطان ذلك؛ لأنهما غير معصومين، فقد يُفضي بهما ذلك إلى الهلاك، فبادر إلى إعلامهما؛ حَسْمًا للمادّة، وتعليمًا لمن بعدهما إذا وقع له مثل ذلك، كما قاله الشافعيّ رحمه الله، فقد رَوَى الحاكم أن الشافعيّ كان في مجلس ابن عيينة، فسأله عن هذا الحديث، فقال الشافعيّ: إنما قال لهما ذلك؛ لأنه خاف عليهما الكفر إن ظنّا به التهمة، فبادر إلى إعلامهما؛ نصيحةً لهما قبل أن يقذف الشيطان في نفوسهما شيئًا يهلكان به.

قال الحافظ: وغَفَل البزّار، فطَعَن في حديث صفية - رضي الله عنها - هذا، واستبعد وقوعه، ولم يأت بطائل (٣)، والله وليّ التوفيق.


(١) "المفهم" ٥/ ٥٠٦.
(٢) "المفهم" ٥/ ٥٠٦.
(٣) اعترض العينيّ على الحافظ في اعتراضه على البزّار، ولكنه اعتراض غير مقبول؛ =