للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ولهذا وقع مميِّزًا للجمع، كقوله تعالى: {تِسْعَةُ رَهْطٍ} [النمل: ٤٨]. انتهى (١).

وقال القرطبيّ رحمه الله: قوله: "إذ أقبل نفر ثلاثة" يدلّ على أن أقل ما يقال عليه نفرٌ: ثلاثةٌ؛ إذ لا يقال: نفر اثنان، ولا: نفر واحد. انتهى (٢).

[تنبيه]: قال الحافظ رحمه الله: لم أقف في شيء من طرق هذا الحديث على تسمية واحد من الثلاثة المذكورين. انتهى.

وقوله: (فَأَقْبَلَ اثْنَانِ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -) بعد قوله: "أقبل ثلاثة" هما إقبالان، كأنهم أقبلوا أوّلًا من الطريق، فدخلوا المسجد مارِّين، كما في حديث أنس: "فإذا ثلاثة نفر يمرّون"، فلما رأوا مجلس النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أقبل إليه اثنان منهم، واستمرّ الثالث ذاهبًا.

وقال في "العمدة": قوله: "إذ أقبل ثلاثة نفر": اعلم أن ههنا إقبالين: أحدهما: إقبالهم أوّلًا من الطريق، أقبلوا، ودخلوا المسجد مارِّين، يدلّ عليه حديث أنس - رضي الله عنه -: "فإذا ثلاثةُ نفر يمرّون"، والآخر: إقبال الاثنين منهم، حين رأوا مجلس النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وأما الثالث، فإنه استمرّ ذاهبًا، وبهذا التقدير سقط سؤال مَن قال: كيف قال أوّلًا: "أقبل ثلاثة"، ثم قال: "فأقبل اثنان"؟ والحال لا يخلو من أن يكون المقبل اثنين، أو ثلاثة. انتهى (٣).

(وَذَهَبَ وَاحِدٌ)؛ أي: استمرّ في ذهابه، ولم يقف على مجلسه - صلى الله عليه وسلم -، كما وقف صاحباه. (قَالَ) أبو واقد (فَوَقَفَا) زاد أكثر رواة "الموطأ": "فلما وقفا سلّما"، وكذا عند الترمذيّ، والنسائيّ، ولم يذكر السلام عند الشيخين، ويستفاد منه أن الداخل يبدأ بالسلام، وأن القائم يسلّم على القاعد، وإنما لم يذكر ردّ السلام عليهما؛ اكتفاءً بشهرته، أو يستفاد منه أن المستغرق في العبادة يسقط عنه الردّ (٤)، ولم يُذكَر أنهما صلّيا تحية المسجد: إما لكون ذلك كان قبل أن تُشرَع، أو كانا على غير وضوء، أو وقع فلم يُنقل؛ للاهتمام بغير ذلك من القصّة، أو كان في غير وقت تنفّل، قاله القاضي عياض؛ بناءً على مذهبه


(١) "الفتح" ١/ ٢٧٧، كتاب "العلم" رقم (٦٦).
(٢) "المفهم" ٥/ ٥٠٧.
(٣) "عمدة القاري" ٢/ ٣٣.
(٤) الاحتمال الأول أَولى، فتنبّه.