للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(فَأَوَى إِلَى الله، فَآوَاهُ اللهُ) قال القرطبيّ (١): الرواية الصحيحة بقصر الأول، وهو ثلاثيّ غير مُتعد، ومدّ الثاني، وهو متعدٍّ رباعيّ، وهو قول الأصمعي، وهي لغة القرآن، قال الله تعالى: {إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ} [الكهف: ١٠]؛ أي: انضمُّوا، ونزلوا، وقال في الثاني: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى (٦)} [الضحى: ٦]؛ أي: فضمَّك إليه، وقال أبو زيد: آويته أنا إيواءً، وأويته: إذا أنزلته بك، فَعَلْتُ، وأفْعَلت بمعنًى.

قال القرطبيّ: فأما أويت لِمَفَاقِره (٢): فبالقصر، لا غير.

ومعنى ذلك: أن هذا الرجل لمّا انضمّ إلى الحلقة، ونزل فيها، جازاه الله تعالى على ذلك، بأن ضمّه إلى رحمته، وأنزله في جنته، وكرامته. انتهى (٣).

وقال في "الفتح": معنى "أوى إلى الله": لجأ إلى الله، أو على الحذف؛ أي: انضم إلى مجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومعنى "فآواه الله"؛ أي: جازاه بنظير فعله بأن ضمّه إلى رحمته، ورضوانه. انتهى (٤).

وقال النوويّ رحمه الله: قوله: "فأوى إلى الله، فآواه الله" لفظة "أوى" بالقصر، و"آواه" بالمدّ، هكذا الرواية، وهذه هي اللغة الفصيحة، وبها جاء القرآن أنه إذا كان لازمًا كان مقصورًا، وإن كان متعديًا كان ممدودًا، قال الله تعالى: {أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ} [الكهف: ٦٣]، وقال تعالى: {إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ}، وقال في المتعدي: {وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ} [المؤمنون: ٥٠]، وقال تعالى: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى (٦) قال القاضي: وحَكَى بعض أهل اللغة فيهما جميعًا لغتين: القصر، والمدّ، فيقال: أويت إلى الرجل بالقصر، والمدّ، وآويته بالمدّ، والقصر، والمشهور الفرق، كما سبق.

قال العلماء: معنى "أوى إلى الله"؛ أي: لجأ إليه، قال القاضي: وعندي أن معناه هنا: دخل مجلس ذِكر الله تعالى، أو دخل مجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم -،


(١) "المفهم" ٥/ ٥٠٧.
(٢) "المفاقر": وجوه الفقر، لا واحد لها، كما في "اللسان".
(٣) "المفهم" ٥/ ٥٠٨.
(٤) "الفتح" ١/ ٢٧٧، كتاب "العلم" رقم (٦٦).