للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ومَجْمَع أوليائه، وانضم إليه، ومعنى "آواه الله"؟ أي: قَبِله، وقَرَّبه، وقيل معناه: رحمه، أو آواه إلى جنته؛ أي: كتبها له. انتهى كلام النوويّ رحمه الله (١).

(وَأَمَّا الآخَرُ فَاسْتَحْيَا)؛ أي: ترك المزاحمة، والتخطّي، كما فعل رفيقه حياءً من الله تعالى، ومن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وممن حَضَر عنده، قاله القاضي عياض، وقد بَيَّن أنس في روايته سبب استحياء هذا الثاني، ولفظه عند الحاكم: "ومضى الثاني قليلًا، ثم جاء، فجلس"، فالمعنى أنه استحيا من الذهاب عن المجلس، كما فعل رفيقه الثالث.

وقال القرطبيّ رحمه الله: كأن هذا الثالث كان متمكِّنًا من المزاحمة؛ إذ لو شرع فيها لَفُسح له؛ لأنَّ التَّفسُّح في المجلس مأمورٌ به، مندوبٌ إليه، لكن مَنَعه من ذلك الحياء، فجلس خلف الصف الأول، ففاتته فضيلة التقدُّم، لكنه جازاه الله على إصغائه، واستحيائه بأن لا يعذبه، وبأن يكرمه. انتهى (٢).

قال الجامع عفا الله عنه: عندي أن استحياءه ليس في المزاحمة في المجلس، وإنما هو استحياؤه عن الذهاب كما ذهب الثالث، ويبيّن هذا المعنى ما في حديث أنس - رضي الله عنه - المذكور حيث قال: "ومضى الثاني قليلًا، ثم جاء، فجلس"، فهذا هو السبب في استحيائه، فتأملّ، والله تعالى أعلم.

(فَاسْتَحْيَا اللهُ مِنْهُ)؛ أي: رحمه، ولم يعاقبه، قاله في "الفتح"، وقال النوويّ: فاستحى الله منه؛ أي: رحمه، ولم يعذبه، بل غفر ذنوبه، وقيل: جازاه بالثواب، قالوا: ولم يُلحقه بدرجة صاحبه الأول في الفضيلة الذي آواه، وبسط له اللطف وقرّبه. انتهى (٣).

قال الجامع عفا الله عنه: هكذا أوَّلَ الحافظ، والنوويّ استحياء الله عز وجل بالرحمة، وعدم المعاقبة، وكذا الإعراض الآتي بالسخط، وهذا تفسير باللازم، ويستلزم نفي صفة الاستحياء، والإعراض عن الله تعالى، وهذا غير مقبول، بل الصواب أن صفتي الرحمة، والإعراض ثابتتان لله سبحانه وتعالى على الوجه اللائق به، دون تأويل.


(١) "شرح النوويّ" ١٤/ ١٥٨ - ١٥٩.
(٢) "المفهم" ٥/ ٥٠٨.
(٣) "شرح النوويّ" ١٤/ ١٥٨ - ١٥٩.