للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقد أجاد بعض المحقّقين حيث كتب في هامش "الفتح" تعقّبًا له ما حاصله: قوله: "فاستحيا الله منه"؛ أي: رحمه، وقوله: "فأعرض الله عنه"؛ أي: سَخِطَ عليه، في هذا التفسير للاستحياء، والإعراض من الله عدول عن ظاهر اللفظ من غير موجب، والحامل على ذلك عند من قال به هو اعتقاد أن الله تعالى لا يوصف بالحياء، ولا بالإعراض حقيقةً؛ لتوهّم أن إثبات ذلك يستلزم التشبيه، وليس كذلك، بل القول في الاستحياء، والإعراض كالقول في سائر ما أثبته الله عز وجل لنفسه، أو أثبته له رسوله - صلى الله عليه وسلم - في الأحاديث الصحيحة من الصفات، والواجب في جميع ذلك هو الإثبات مع نفي مماثلة المخلوقات، وقد ورد في الحديث: "إن ربكم تبارك وتعالى حيي كريم، يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردّهما صفرًا"، حديث صحيح، رواه أبو داود، والترمذيّ. انتهى (١).

(وَأَمَّا الآخَرُ فَأَعْرَضَ، فَأَعْرَضَ اللهُ عَنْهُ") فيه إثبات الإعراض لله سبحانه وتعالى على ما يليق بجلاله، وفسّر في "الفتح" الإعراض هنا بالسخط، وقال: إطلاق الأعراض وغيره في حق الله تعالى على سبيل المقابلة، والمشاكلة، فيُحْمَلَ كل لفظ منها على ما يليق بجلاله سبحانه وتعالى، وفائدة إطلاق ذلك بيان الشيء بطريق واضح. انتهى.

قال الجامع عفا الله عنه: قد علمت آنفًا أن تفسير الإعراض بالسخط غير مقبول، والحقّ أن الإعراض من الصفات الثابتة لله عز وجل على ما يليق بجلاله سبحانه وتعالى، فتبصّر بالإنصاف، ولا تكن أسير التقليد، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.

وقال في "الفتح": هذا محمول على من ذهب مُعْرِضًا، لا لعذر، إن كان مسلمًا، ويَحْتَمِل أن يكون منافقًا، واطَّلَع النبيّ - صلى الله عليه وسلم - على أمره، كما يَحْتَمِل أن يكون قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فأعرض الله عنه" إخبارًا، أو دعاءً.

ووقع في حديث أنس: "فاستغنى، فاستغنى الله عنه"، وهذا يُرَشِّح كونه خبرًا. انتهى (٢).


(١) راجع: هامش "الفتح" ١/ ٢٧٨.
(٢) "الفتح" ١/ ٢٧٧، كتاب "العلم" رقم (٦٦).