للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

روايةً لكان لذلك وجه، فالجزم بالعطف على محلّ "يقيمنّ"، فإنه مجزوم بـ "لا" الناهية، كما أسلفته، والنصب بـ "أن" مضمرةً بعد "ثم" إعطاء لها حكم الواو، فقد أجاز ذلك ابن مالك رحمه الله في كتابه "شواهد التوضيح" في حديث: "لا يبولنّ أحدكم في الماء الدائم، ثم يغتسل منه"، ودونك نصّه:

قال رحمه الله: يجوز في "ثم يغتسل" الجزم عطفًا على "يبولنّ"؛ لأنه مجزوم الموضع بـ "لا" التي للنهي، ولكنه بُني على الفتح؛ لتوكيد النون، ويجوز فيه الرفع على تقدير: ثم هو يغتسل فيه، ويجوز فيه النصب على إضمار "أن"، وإعطاء "ثُمّ" حكم واو الجمع، ونظير "ثم يغتسل" في جواز الأوجه الثلاثة قوله تعالى: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ} [النساء: ١٠٠]، فإنه قرئ بجزم {يُدْرِكْهُ}، ورفعه، ونصبه، والجزم هو المشهور، والذي قرأ به السبعة، وأما الرفع والنصب فشاذّان. انتهى (١).

والحاصل أن نظير حديث: "ثم يغتسل" قوله في هذا الحديث: "ثم يجلس فيه"، فتجوز فيه الأوجه الثلاثة، لكن الذي يظهر أن الرفع هو الرواية، والله تعالى أعلم.

وقال القرطبيّ رحمه الله: نهيه - صلى الله عليه وسلم - عن أن يقام الرجل من مجلسه، إنما كان ذلك لأجل أن السَّابق لمجلسٍ قد اخْتَصَّ به إلى أن يقوم باختياره عند فراغ غرضه؛ فكأنه قد ملك منفعة ما اخْتَصَّ به من ذلك، فلا يجوز أن يحال بينه وبين ما يملكه، وعلى هذا فيكون النهي على ظاهره من التَّحريم، وقيل: هو على الكراهة، والأول أَولى، ويستوي في هذا المعنى أن يجلس فيه بعد إقامته، أو لا يجلس، غير أن هذا الحديث خرج على أغلب ما يُفْعَل من ذلك، فإنَّ الإنسان في الغالب إنما يقيم الآخر من مجلسه ليجلس فيه، وكذلك يستوي فيه يوم الجمعة، وغيره من الأيام التي يجتمع الناس فيها، لكن جرى ذكر يوم الجمعة في الحديث الآتي؛ لأنَّه اليوم الذي يجتمع الناس فيه، ويتنافسون في المواضع القريبة من الإمام، وعلى هذا فيُلْحَق بذلك ما في معناه، ولذلك قال ابن جريج: في يوم الجمعة وغيرها.


(١) "شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح" ص ١٦٤ - ١٦٥.