للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال: وقوله: "ولكن تفسَّحوا، وتوسَّعوا" هذا أمر للجالسين بما يفعلون مع الداخل، وذلك أنه لمّا نُهِي عن أن يقيم أحدًا من موضعه تعيَّن على الجالسين أن يوسِّعوا له، ولا يتركوه قائمًا، فإنَّ ذلك يؤذيه، وربما يخجله، وعلى هذا فمن وجد من الجالسين سعة تعيَّن عليه أن يوسع له، وظاهر ذلك أنه على الوجوب تمسُّكًا بظاهر الأمر، وكان القائم يتأذى بذلك، وهو مسلم، وأذى المسلم حرام، ويَحْتَمِل أن يقال: إن هذه آداب حسنة، ومن مكارم الأخلاق، فتُحْمَل على الندب.

قال الجامع عفا الله عنه: الاحتمال الأول، وهو الوجوب هو الظاهر؛ لأنه لا صارف للأمر عن الوجوب، فتنبّه، والله تعالى أعلم.

قال: وقد اختَلَف العلماء في قوله تعالى: {إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ} الآية [المجادلة: ١١]، فقيل: هو مجلس النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، كانوا يزدحمون فيه تنافسًا في القُرب من النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وقيل: هو مجلس الصَّف في القتال، وقيل: هو عامٌّ في كل مجلس، اجتَمَع المسلمون فيه للخير، والأجر، وهذا هو الأَولى؛ إذ المجلس للجنس على ما أصَّلْناه في الأصول. انتهى كلام القرطبيّ رحمه الله (١)، وهو بحثٌ نفيسٌ، والله تعالى أعلم.

وقال في "الفتح": وقوله: "ولكن تفسحوا، وتوسعوا" هو عطفٌ تفسيريّ، ووقع في رواية قبيصة، عن سفيان، عند ابن مردويه: "ولكن ليقل: افسحوا، وتوسعوا"، وقد أخرجه الإسماعيليّ من رواية قبيصة، وليس عنده: "ليقل"، وهذه الزيادة أشار مسلم في كلامه الآتي إلى أن عبيد الله بن عمر تفرد بها، عن نافع، وأن مالكًا، والليث، وأيوب، وابن جريج، رووه عن نافع بدونها، وأن ابن جريج زاد: "قلت لنافع: في الجمعة؟ قال: في الجمعة وفي غيرها".

ووقع في حديث جابر الآتي عند مسلم: "لا يقيمنّ أحدكم أخاه يوم الجمعة، ثم يخالف إلى مقعده، فيقعد فيه، ولكن يقول: افسحوا"، فجمع بين


(١) "المفهم" ٥/ ٥٠٩ - ٥١٠.