للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عن موضعه من الصفّ الأول، ويؤْثِره به، وشِبْه ذلك، قال أصحابنا: وإنما يُحْمَد الإيثار بحظوظ النفوس، وأمور الدنيا، دون الْقُرَب، والله أعلم.

٣ - (ومنها): ما قاله النوويّ رحمه الله: هذا النهي للتحريم، فمن سبق إلى موضع مباح في المسجد، وغيره يوم الجمعة، أو غيره، لصلاة، أو غيرها، فهو أحقّ به، ويحرم على غيره إقامته لهذا الحديث، ألا أن أصحابنا استثنَوْا منه ما إذا أَلِف من المسجد موضعًا يفتي فيه، أو يقرأ قرآنًا، أو غيره من العلوم الشرعية، فهو أحقّ به، وإذا حضر لم يكن لغيره أن يقعد فيه.

قال الجامع عفا الله عنه: هذا الاستثناء يحتاج إلى دليل، فإن النهي عامّ لم يخصّ نوعًا من نوع، فهو على عمومه، فتنبّه، والله تعالى أعلم.

قال: وفي معناه من سبق إلى موضع من الشوارع، ومقاعد الأسواق؛ لمعاملة. انتهى (١).

وقال ابن قُدامة رحمه الله في "المغني": وليس له أن يقيم إنسانًا، ويجلس في موضعه، سواء كان المكان راتبًا لشخص، يجلس فيه، أو موضع حلقة لمن يحدّث فيها، أو حلقة الفقهاء يتذاكرون فيها، أو لم يكن؛ لِمَا رَوَى ابن عمر - رضي الله عنه - قال: "نَهَى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يقيم الرجل أخاه من مقعده، ويجلس فيه"، متّفقٌ عليه؛ ولأن المسجد بيت الله، والناس فيه سواء، قال الله تعالى: {سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ} [الحج: ٢٥]، فمن سبق إلى مكان فهو أحقّ به؛ لقول النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَن سَبَقَ إلى ما لم يَسبِق إليه مسلم، فهو أحق به"، رواه أبو داود (٢)، وكمقاعد الأسواق، ومشاريع المياه، والمعادن، فإن قدَّم صاحبًا له، فجلس في موضع حتى إذا جاء قام النائب، وأجلسه جاز؛ لأن النائب يقوم باختياره، وقد روي أن محمد بن سيرين كان يرسل غلامًا له يوم الجمعة، فيجلس فيه، فإذا جاء محمد قام الغلام، وجلس محمد فيه، فإن لم يكن نائبًا فقام ليجلس آخر في مكانه، فله الجلوس فيه؛ لأنه قام باختيار نفسه، فأشبه النائب، وأما القائم فإن انتقل إلى مثل مكانه الذي آثر به في القُرَب، وسماع الخطبة، فلا بأس، وإن انتقل إلى ما دونه كُرِه له؛ لأنه يُؤْثِر على نفسه في


(١) "شرح النوويّ" ١٤/ ١٦٠.
(٢) إسناد ضعيف.