للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الدين، ويَحْتَمِل أن لا يكره؛ لأن تقديم أهل الفضل إلى ما يلي الإمام مشروع، ولذلك قال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "لِيَلِيَنِّي منكم أولو الأحلام والنُّهَى"، ولو آثر شخصًا بمكانه، لم يَجُز لغيره أن يسبقه إليه؛ لأن الحقّ للجالس، آثر به غيره، فقام مقامه في استحقاقه، كما لو تحجَّر مواتًا، أو سَبَق إليه، ثم آثر غيره به، وقال ابن عَقيل: يجوز ذلك؛ لأن القائم أسقط حقه بالقيام، فبقي على الأصل، فكان السابق إليه أحقّ به، كمن وَسّمع لرجل في طريق، فمرّ غيره.

قال ابن قُدامة: وما قلنا أصحّ، ويفارق التوسعة في الطريق؛ لأنها إنما جُعلت للمرور فيها، فمن انتقل من مكانه فيها لم يبق له فيها حقّ يُؤْثِر به، وليس كذلك المسجد، فإنه للإقامة فيه، ولا يسقط حق المتنقل من مكانه، إذا انتقل لحاجة، وهذا إنما انتقل مُؤْثِرًا لغيره، فأشبه النائب الذي بعثه إنسان ليجلس في موضع يحفظه له، ولو كان الجالس مملوكًا لم يكن لسيده أن يقيمه؛ لعموم الخبر، ولأن هذا ليس بمال، وهو حقّ دينيّ، فاستوى هو وسيده فيه؛ كالحقوق الدينية كلها، والله أعلم. انتهى كلام ابن قُدامة رحمه الله (١).

٤ - (ومنها): ما قال ابن أبي جمرة (٢) رحمه الله: هذا اللفظ عامّ في المجالس، ولكنه مخصوص بالمجالس المباحة، إما على العموم؛ كالمساجد، ومجالس الحكام، والعلم، وإما على الخصوص، كمن يدعو قومًا بأعيانهم إلى منزله؛ لوليمة، ونحوها، وأما المجالس التي ليس للشخص فيها ملك، ولا إذنَ له فيها، فإنه يقام، ويُخرج منها، ثم هو في المجالس العامة ليس عامًّا في الناس، بل هو خاصّ بغير المجانين، ومن يحصل منه الأذى، كآكل الثُّوم النيء، إذا دخل المسجد، والسفيه إذا دخل مجلس العلم، أو الحكم.

قال: والحكمة في هذا النهي منع استنقاص حقّ المسلم المقتضي للضغائن، والحثُّ على التواضع المقتضي للموادَدَة، وأيضًا فالناس في المباح كلهم سواء، فمن سبق إلى شيء استحقّه، ومن استحقّ شيئًا، فأُخِذ منه بغير حقّ، فهو غصب، والغصب حرام، فعلى هذا قد يكون بعض ذلك على سبيل الكراهة، وبعضه على سبيل التحريم.


(١) "المغني" ٢/ ١٠١ - ١٠٢.
(٢) "بهجة النفوس" ٤/ ١٩٤.