تلك الصلاة، فإن كان قد قعد فيه غيره، فله أن يُقيمه، وعلى القاعد أن يفارقه؛ لهذا الحديث، هذا هو الصحيح عند أصحابنا، وأنه يجب على من قعد فيه مفارقته إذا رجع الأول.
وقال بعض العلماء: هذا مستحبّ، ولا يجب، وهو مذهب مالك، والصواب الأول، قال أصحابنا: ولا فرق بين أن يقوم منه، ويترك فيه سجادة ونحوها، أم لا، فهذا أحقّ به في الحالين، قال أصحابنا: وإنما يكون أحق به في تلك الصلاة وحدها، دون غيرها، والله أعلم. انتهى (١).
وقال القرطبيّ رحمه الله: قوله: "ثم رجع إليه فهو أحق به" هذا يدلّ على صحَّة القول بوجوب ما ذكرناه من اختصاص الجالس بموضعه إلى أن يقوم منه؛ لأنه إذا كان أَولى به بعد قيامه؛ فقَبْلَه أحرى وأَولى.
وذهب آخرون: إلى أن ذلك على الندب؛ لأنَّه موضع غير متملَّك لأحد، لا قبل الجلوس، ولا بعده، وهذا فيه نظر، وهو أن يقال: سلَّمنا أنه غير متملَّك له، لكنه يختص به إلى أن يفرغ غرضه منه، فصار كأنه يملك منفعته؛ إذ قد مَنَع غيره من أن يزاحمه عليه.
وحَمَله مالك على النَّدب إذا كانت رجعته قريبة، قال: وإن بَعُدَ ذلك حتى يذهب، وَيبْعُد فلا أرى ذلك، وأنه من محاسن الأخلاق، وعلى هذا فيكون هذا عامًّا في كل المجالس، وقال محمد بن مسلمة: الحديث محمول على مجلس العلم، هو أَولى به إذا قام لحاجة، فإذا قام تاركًا له، فليس هو بأولى.
وقد اختلف العلماء فيمن ترتَّب من العلماء، والقُرَّاء بموضع من المسجد للفتيا، وللتدريس، فحكي عن مالك أنه أحق به إذا عُرِف به، والذي عليه الجمهور أن هذا استحسان، وليس بواجب، ولعلَّه مراد مالك، وكذلك قالوا فيمن قعد من الباعة في موضع من أفنية الطُّرق، وأفضية البلاد غير المتملَّكة فهو أحق به ما دام جالسًا فيه، فإن قام منه، ونيَّته الرجوع إليه من غده؛ فقيل: هو أحقّ به حتى يتمَّ غرضه، حكاه الماوردي عن مالك؛ قطعًا للتنازع، وقيل: