للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ثمانية. انتهى (١). (فَقَالَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -: "ألَا) أداة استفتاح، وتنبيه، (أَرَى)؛ أي: أظنّ (هَذَا) المخنّثَ (يَعْرِفُ) بالبناء للفاعل، (مَا هَا هُنَا)؛ أي: الذي استقرّ ها هنا من عورات النساء، ومحاسنهنّ، فلذلك وصف هذه المرأة للرجل بهذا الوصف الدقيق. (لَا) ناهية، والفعل بعدها مجزوم المحلّ بها، مبنيّ اللفظ؛ لاتّصاله بنون التوكيد، (يَدْخُلَنَّ عَلَيْكُن") بضمير جماعة النساء، فالخطاب لهنّ، وتقدّم بلفظ: "عليكم" بخطاب المذكور، ولا تنافي؛ لأنه إذا نُهي أحد الجنسين دخل الآخر فيه. (قَالَتْ) عائشة - رضي الله عنها - (فحَجَبُوهُ)؛ أي: حجبه الصحابة - رضي الله عنهم - عن أن يدخل على النساء، وزاد يونس في روايته عن الزهريّ عند أبي داود: "وأخرجه، فكان بالبيداء، يدخل كلّ جمعة، يستطعم".

وقال القرطبيّ رحمه اللهُ: قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ألا أرى هذا يَعْرِف ما ها هنا" يدلّ على أنهم كانوا يظنون أنه لا يعرف شيئًا من أحوال النساء، ولا يخطرن له بالبال، وسببه أن التخنيث كان فيه خِلْقةً، وطبعًا، ولم يكن يُعرف منه إلا ذلك، ولذلك كانوا يعدُّونه من غير أولي الإربة؛ أي: ممن لا حاجة له في النساء، وقد قدَّمنا: أن الأَرَبَ، والإربة: الحاجة، فلما سَمِع النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وَصْفه لتلك المرأة عَلِم أن عنده تشوُّفًا للنساء؛ فحُجب لذلك، ثم بولغ في تنكيله، وعقوبته، ونفيه لِمَا اطَّلَع عليه من محاسن تلك المرأة، وكَشَفَ من سترها، ولم تكن عقوبته لنفس التخنُّث؛ فإنَّ ذلك كان فيه خِلْقة، ولم يكن مكتسبًا له، ولا يكلف الله نفسًا إلا وسعها.

وأمَّا من تخانث، وتشبَّه بالنساء، فقد أتى كبيرة من أفحش الكبائر؛ لعنه الله عليها ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، ولا يُقَرُّ عليها، بل يؤدَّب بالضرب الوجيع، والسجن الطويل، والنفي حتى يَنْزع عن ذلك، ويكفي دليلًا على ذلك ما خرَّجه البخاريّ عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال، وقال: أخرجوهم من بيوتكم، وأخرج فلانًا، وفلانًا"؛ غير أنه لا يُقتل لِمَا رواه أبو هريرة - رضي الله عنه -: أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أُتي برجل قد خَضَب يديه ورجليه بالحنّاء، فقال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "ما بال هذا؟! "،


(١) "شرح النوويّ" ١٤/ ١٦٣.